بحث نفيس للعلامة الجصاص
قال عليه الرحمة :
بَابُ فَرْضِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ﴾
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَدْ حَوَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَعْنَيَيْنِ.
أَحَدُهُمَا : وُجُوبُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ.
وَالْآخَرُ : أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي نَفْسِهِ إذَا قَامَ بِهِ غَيْرُهُ.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ﴾ وَحَقِيقَتُهُ تَقْتَضِي الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ هُوَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي نَفْسِهِ وَيَجْعَلُ مَخْرَجَ الْكَلَامِ مَخْرَجَ الْخُصُوصِ فِي قَوْلِهِ :﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ﴾ مَجَازًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾ وَمَعْنَاهُ :" ذُنُوبَكُمْ ".
وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ إذَا قَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ، كَالْجِهَادِ وَغُسْلِ الْمَوْتَى وَتَكْفِينِهِمْ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَدَفْنِهِمْ، وَلَوْلَا أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ لَمَا سَقَطَ عَنْ الْآخَرِينَ بِقِيَامِ بَعْضِهِمْ بِهِ.