قال القاضي أبو محمد : وتنقصهم المؤمنين وطعنهم عليهم جملة وأفراداً، وهذا كله عظيم مقلق وبسببه استحقوا القتل والإجلاء، وضرب الجزية، لكن أراد الله تعالى بهذه الآية أن يلحظهم المؤمنون بعين الاحتقار حتى لا يصدوا أحداً عن دينه ولا يشغلوه عن عبادة ربه، وهكذا هي فصاحة العرب، ومن هذا المعنى في التحقير قول ثمامة بن أثال : يا محمد إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن شئت المال فاسأل منه ما شئت، فقوله : ذا دم، روي بالذال منقوطة، وبالدال غير منقوطة، فذم بفتح الذال وبكسرها أراد بها الذمام، وأما الدال غير المنقوطة، فيحتمل أنه أرد التعظيم لأمر نفسه، وذلك بأحد وجهين : إما أن يريد الوعيد، أي تقتل ذا دم مطلوب بثأره له حماة فاحذر عاقبة ذلك، وإما أن يريد تقتل ملكاً يستشفى بدمه، كما كانت العرب تعتقد في دماء الملوك، فهذا استعطاف لا وعيد، أي لا ينبغي ذلك أن تفسد مثلي، وهذا كما استعطف الأشعث بن قيس أبا بكر رضي الله عنه بهذا المعنى، ويحتمل كلام ثمامة، أنه أراد تحقير أمر نفسه وليذهب عن نفس رسول الله ﷺ المسرة بنيل مثل هذا الأمر العظيم، ويجري ذلك مجرى قول أبي جهل لعبد الله بن مسعود : وهل أعمد من رجل قتلتموه ؟ ومثله قول الأسير لعمر بن عبد العزيز، حين قال له : لأقتلنك، قال إن ذلك لا ينقص من عدد الخزر شيئاً فكأن ثمامة أراد : إن تقتلني تقتل حيواناً حقيراً شأنه، كما يقتل كل ذي دم فما بالك تفعل ذلك وتدع الإنعام عليّ ؟ فالآية تنظر إلى هذا المعنى من جهة أنه حقر عند المؤمنين ما هو عيظم في نفسه تنبيهاً لهم، وأخبر الله تعالى في قوله :﴿ وإن يقاتلوكم ﴾ الآية، بخبر غيب صححه الوجود، فهي من آيات محمد ﷺ، وفائدة الخبر هي في قوله :{ ثم لا ينصرون


الصفحة التالية
Icon