﴿ ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ ﴾
[عبس : ٢٢]
فإذا كان هناك تعقيب بعد مدّة زمنية فالحق يأتي بـ " ثم "، وإذا كان هناك تعقيب فوري بلا مدة يأتي الحق بـ " ف ". والتعقيب في الآية التي نتناولها يأتي بعد " ثم "، وكأن هذا حكم مستمر من الحق بأن أهل الفسق لن ينتصروا على أهل الإيمان، ولم بعد انتهاء المعركة القائمة الآن بينهم، إنها هزيمة بحكم نهائي، هذا هو القول الفصل :﴿ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ﴾ وهو أشد وقعا مما لو جاء " لاَ ينتصرون " لماذا ؟ لأن من الممكن ألاّ ينتصر أهل الكفر بذواتهم، ولكن الإيضاح يؤكد أنهم - أهل الكفر - لا ينتصرون لا بذواتهم، ولا يُنصرون بغيرهم أيضا.
إن ﴿ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ﴾ قضية دائمة فليست المسألة مقصورة على عهد رسول الله فقط، ولكنها ستظل إلى أبد الآبدين.
ومن السطحية في الفهم أن نقول : إن الآية كانت تتطلب أن يكون القول " ثُمَّ لاَ يُنصَرُوا " لأن الاعراب يقتضي ذلك. لكن المعنى اللائق بالمتكلم وهو الحق سبحانه وتعالى الذي يعطي الضمان والاطمئنان للأمة المسلمة أمام خصومها لا بد أن يقول :﴿ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ﴾ وهي أكثر دقة حتى من " لاَ ينتصرون " لأن " ينتصرون " فيها مدخلية الأسباب منهم، أما ﴿ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ﴾ فهي تعني أن لا نصر لهم أبداً، حتى وإن تعصب لأهل الفسق قوم غيرهم وحاولوا أن ينصروهم فلن يستطيعوا ذلك.
فإن رأيتم - أيها المسلمون - نصرا للكافرين عليكم منهم أو بتعصب قوم لهم فاعلموا أنكم دخلتم معهم على غير منهج الله. وقد يأتي إنسان ويقول : كيف ينتصر علينا اليهود ونحن مسلمون ؟ ونقول : هل نحن نتبع الآن منهج وروح الإسلام ؟ وماذا عندنا من الإسلام ومن الإيمان ؟ هل تحسب نفسك على ربك أثناء هزيمتك ؟ وهل دخلت معركتك كمعركة إسلامية ؟