قال : فما شأنك دمعت عيناك؟ قال : رحمة لهم. كانوا من أهل الإسلام فكفروا ثم قرأ هذه الآية. ثم أخذ بيده فقال : إن بأرضك منهم كثيراً فأعاذ الله منهم. هذا مما أخرجه الإمام أبو عيسى الترمذي في جامعة. ولكن المشهور من مذهب أهل السنة أنّ الخروج على الإمام لا يوجب الكفر ألبتة، والاستفهام في قوله تعالى :﴿ أكفرتم ﴾ بمعنى الإنكار. قال القاضي : وفيه وكذا في قوله :﴿ ما كنتم تكفرون ﴾ دليل على أن الكفر منهم لا من الله. وقالت المرجئة : فيه دلالة على أن العذاب لا يكون إلا للكفار. أما قوله :﴿ ففي رحمة الله ﴾ فالمراد بها الجنة التي هي محل الرحمة. وموقع قوله :﴿ هم فيها خالدون ﴾ موقع الاستئناف كأنه قيل : كيف يكونون فيها؟ فأجيب بذلك أي لا يظعنون عنها ولا يموتون. وفي إقامة الرحمة مقام الجنة دليل على أن العبد وإن كثرت طاعته فإنه لا يدخل الجنة إلا بفضل الله وبرحمته. وفي إضافة الرحمة إلى نفسه وتلعيل العذاب بكفرهم والنص على خلود أهل الثواب دون أهل النار وإن كانوا مخلدين أيضاً دلائل وإشارات إلى أن جانب العفو والمغفرة والرحمة مغلب، وكيف لا وقد أردفه بقوله :﴿ تلك ﴾ الأحكام التي وردت في حيز الوعيد والوعد وانقضى ذكرها ﴿ آيات الله نتلوها عليك ﴾ متلبسة ﴿ بالحق ﴾ العدل من جزاء المحسن بإحسانه وجزاء المسيء بإساءته، أو ملتبسه بالمعنى الحق لأن معنى المتلو حق ﴿ وما الله يريد ظلما للعالمين ﴾ ولكن مصالح الخلق لا نتتظم إلا بتهديد المذنبين، وإذا حصل التهديد فلا بد من التحقيق دفعاً للكذب عمن هو أصدق القائلين. قال الجبائي : قوله :﴿ ظلماً ﴾ نكرة في سياق النفي فوجب أن لا يريد شيئاً مما يكون ظلماً سواء فرض منه أو من العبد على نفسه أو على غيره، وإذا لم يرد لم يفعل إذ لو كان فاعلاً لشيء من الأقسام الثلاثة كان مريداً له هذا خلف، فثبت بهذه الآية أنه تعالى غير فاعل للظلم وغير فاعل لأعمال العباد، إذ من