ثم نبه على سبب وعد السعداء بقوله :﴿ كنتم خير أمة ﴾ أي تلك الكرامات والسعادات إنما فازوا بها في الآخرة لأنهم كانوا في الدنيا خير أمة، وأقول : لما انجز الكلام في مخاطبة المؤمنين الى بيان أن كل ما في الوجود ملكه وملكه إبداعاً واختراعاً وأن منتهى الكل إليه، أتبع ذلك مزية هذه الأمة ليعلم أنها بسابقة العناية الأزلية إذ جعلهم مظهر الألطفا، وذكر بعدها رذيلة أهل الكتاب ليعرف أنها لوقوعهم في طريق القهر ولا اعتراض لأحد على ما يفعله المالك في ملكه. عن عكرمة ومقاتل أن مالك بن الصيف ووهب بن يهوديا اليهوديين قالا لابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى حذيفة : إن ديننا خير مما تدعوننا إليه، ونحن خير وأفضل منكم فأنزل الله هذه الآية. قال بعض المفسرين :" كان " ههنا تامة، وانتصاب ﴿ خير أمة ﴾ على الحال حدثتم ووجدتم خير أمة. والأكثرون على أنها ناقصة، فجاء إيهام أنهم كانوا موصوفين بالخيرية في الزمان الماضي دون ما يستقبل. فأجيب بأن " كان " لا تدل على عدم سابق ولا انقطاع طارىء بدليل قوله :﴿ وكان الله غفوراً رحيماً ﴾ ﴿ النساء : ٩٦ ] وقيل : المراد كنتم في علم الله أو في اللوح المحفوظ خير أمة، أو كنتم في الأمم قبلكم مذكورين بأنكم خير أمة كقوله :{ ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل ﴾ [ الفتح : ٢٩ ] وقال أبو مسلم : هذا تابع لقوله :﴿ وأما الذين ابيضت وجوههم ﴾ وما بينهما اعتراض والتقدير : أنه يقال لهم عند الخلود في الجنة : كنتم في دنياكم خير أمة فلهذا نلتم من الرحمة وبياض الوجه ما نلتم. وقال بعضهم : لو شاء الله لقال : أنتم. فكان هذا التشريف حاصلاً لكلنا، ولكنه مخصوص بقوم معينين من أصحاب رسول الله ﷺ وهم السابقون الأولون ومن صنع مثل صنيعهم. وقيل : إنها زائدة والمعنى : أنتم خير أمة. وزيفه ابن الأنباري بأن الزائدة لا تقع في أول الكلام ولا تعمل كقول العرب "


الصفحة التالية
Icon