قال الزجاج : ظاهر الخطاب في ﴿ كنتم ﴾ مع أصحاب النبي ﷺ ولكنه عام في حق لكل الأمة. ونظيره ﴿ كتب عليكم القصاص ﴾ [ البقرة : ١٧٨ ] ﴿ كتب عليكم القصاص ﴾ [ البقرة : ١٨٣ ] وقوله :﴿ للناس ﴾ إما أن يتعلق ب ﴿ أخرجت ﴾ والمعنى : كنتم خير الأمم المخرجة للناس في جميع الأعصار. ومعنى إخراجها أنها أظهرت للناس حتى تميزت وعرفت وفصل بينها وبين غيرها. وإما أن يتعلق ب ﴿ كنتم ﴾ أي كنتم للناس خير أمة. ثم بين سبب الخيرية على سبيل الاستئناف بقوله :﴿ تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ﴾ كما تقول : زيد كريم يطعم الناس ويكسوهم ويقوم بمصالحهم. وقد يستدل بالآية على أن إجماع هذه الأمة حجة لأنها لو لم تحكم بالحق لم تكن خيراً من المبطل، ولأن اللام في ﴿ المعروف ﴾ وفي ﴿ المنكر ﴾ للاستغراق فيقتضي كونهم آمرين بكل معروف وناهين عن كل منكر فيكون إجماعهم حقاً وأما أنه من أي وجه يقتضي ذلك كون هذه الأمة خير الأمم مع أن الصفات الثلاثة كانت حاصلة لسائر الأمم فذلك أن الأمر بالمعروف قد يكون بالقلب وباللسان وباليد، وأقواها ما يكون بالقتال لأنه إلقاء النفس في خطر القتل. وأعرف والمعروفات الدين الحق والإيمان بالتوحيد والنبوة، وأنكر المنكرات الكفر بالله، فكان الجهاد في الدين تحملاً لأعظم المضارّ لغرض إيصال الغير إلى أعظم المنافع وتخليصه من أعظم المضار، فكان من أعظم العبادات. ولما كان أمر الجهاد في شرعنا أقوى منه في سائر الشرائع كما قال النبي ﷺ :" أنا نبي السيف أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " فلا جرم صار لك موجباً لفضل هذه الأمة على سائر الأمم، وهذا معنى ما روي عن ابن عباس في تفسير قوله :﴿ كنتم خير أمة ﴾ تأمرونهم أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويقروا بما أنزل الله، وتقاتلونهم عليه، ولا إله إلا الله أعظم المعروف والتكذيب أنكر المنكر. وفائدة القتل