واعلم أن هذا ضعيف لأن حمل لفظ ﴿إِلا﴾ على ( لكن ) خلاف الظاهر، وأيضاً إذا حملنا الكلام على أن المراد : لكن قد يعتصمون بحبل من الله وحبل من الناس لم يتم هذا القدر فلا بد من إضمار الشيء الذي يعتصمون بهذه الأشياء لأجل الحذر عنه والإضمار خلاف الأصل، فلا يصار إلى هذه الأشياء إلا عند الضرورة فإذا كان لا ضرورة ههنا إلى ذلك كان المصير إليه غير جائز، بل ههنا وجه آخر وهو أن يحمل الذلة على كل هذه الأشياء أعني : القتل، والأسر، وسبي الذراري، وأخذ المال، وإلحاق الصغار، والمهانة، ويكون فائدة الاستثناء هو أنه لا يبقى مجموع هذه الأحكام، وذلك لا ينافي بقاء بعض هذه الأحكام، وهو أخذ القليل من أموالهم الذي هو مسمى بالجزية، وبقاء المهانة والحقارة والصغار فيهم، فهذا هو القول في هذا الموضع، وقوله ﴿أَيْنَمَا ثُقِفُواْ﴾ أي وجدوا وصودفوا، يقال : ثقفت فلاناً في الحرب أي أدركته، وقد مضى الكلام فيه عند قوله ﴿حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ [ البقرة : ١٩١ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ١٦٠ ـ ١٦١﴾
قوله تعالى ﴿إِلاَّ بِحَبْلٍ مّنْ الله﴾

فصل


قال الفخر :
قوله ﴿إِلاَّ بِحَبْلٍ مّنْ الله﴾ فيه وجوه
الأول : قال الفرّاء : التقدير إلا أن يعتصموا بحبل من الله، وأنشد على ذلك :
رأتني بحبلها فصدت مخافة.. وفي الحبل روعاء الفؤاد فروق
واعترضوا عليه، فقالوا : لا يجوز حذف الموصول وإبقاء صلته، لأن الموصول هو الأصل والصلة فرع فيجوز حذف الفرع لدلالة الأصل عليه، أما حذف الأصل وإبقاء الفرع فهو غير جائز
الثاني : أن هذا الاستثناء واقع على طريق المعنى، لأن معنى ضرب الذلة لزومها إياهم على أشد الوجوه بحيث لا تفارقهم ولا تنفك عنهم، فكأنه قيل : لا تنفك عنهم الذلة، ولن يتخلصوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس


الصفحة التالية
Icon