الأول : أن علة الذلة والغضب والمسكنة هي الكفر وقتل الأنبياء، وعلة الكفر وقتل الأنبياء هي المعصية، وذلك لأنهم لما توغلوا في المعاصي والذنوب فكانت ظلمات المعاصي تتزايد حالاً فحالاً، ونور الإيمان يضعف حالاً فحالاً، ولم يزل كذلك إلى أن بطل نور الإيمان وحصلت ظلمة الكفر، وإليه الإشارة بقوله ﴿كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ [ المطففين : ١٤ ] فقوله ﴿ذلك بِمَا عَصَواْ﴾ إشارة إلى علة العلة ولهذا المعنى قال أرباب المعاملات، من ابتلي بترك الآداب وقع في ترك السنن، ومن ابتلي بترك السنن وقع في ترك الفريضة، ومن ابتلي بترك الفريضة وقع في استحقار الشريعة، ومن ابتلي بذلك وقع في الكفر
الثاني : يحتمل أن يريد بقوله ﴿ذلك بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ﴾ من تقدم منهم، ويريد بقوله ﴿ذلك بِمَا عَصَواْ﴾ من حضر منهم في زمان الرسول ﷺ، وعلى هذا لا يلزم التكرار، فكأنه تعالى بيّن علة عقوبة من تقدم، ثم بيّن أن من تأخر لما تبع من تقدم كان لأجل معصيته وعداوته مستوجباً لمثل عقوبتهم حتى يظهر للخلق أن ما أنزله الله بالفريقين من البلاء والمحنة ليس إلا من باب العدل والحكمة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ١٦٢﴾


الصفحة التالية
Icon