ولما أخبر عنهم بهذا الوصف الشريف في نفسه أتبعه ما زاده شرفاً، وهو أنهم فعلوه في حال إيمانهم فهو معتبر به لوجود شرطه الذي هو أساس كل خير فقال ﴿وتؤمنون﴾ أي تفعلون ذلك والحال أنكم تؤمنون ﴿بالله﴾ أي الملك الأعلى الذي تاهت الأفكار في معرفة كنه ذاته، وارتدت نوافذ أبصار البصائر خاسئة عن حصر صفاته، أي تصدقون أنبياءه ورسله بسببه في كل ما أخبروا به قولاً وفعلاً ظاهراً وباطناً، وتفعلون جميع أوامره وتنهون عن جميع مناهيه ؛ وهذا يفهم أن من لم يؤمن كإيمانهم فليس من هذه الأمة أصلاً، لأن الكون المذكور لا يحصل إلا بجميع ما ذكر، وكرر الاسم الأعظم زيادة في تعظيمهم، وقد صدق الله ومن أصدق من الله حديثاً!
قال الإمام أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري في خطبة كتاب الاستيعاب : روى ابن القاسم عن مالك أنه سمعه يقول : لما دخل أصحاب رسول الله ﷺ الشام نظر إليهم رجل من أهل الكتاب فقال : ما كان أصحاب عيسى ابن مريم الذين قطعوا بالمناشير وصلبوا على الخشب بأشد اجتهاداً من هؤلاء - انتهى.
ولما كان من المعلوم أن التقدير : وذلك خير لكم، عطف عليه قوله :﴿ولو آمن أهل الكتاب﴾ أي أوقعوا الإيمان كما آمنتم بجميع الرسل وجميع ما أنزل عليهم في كتابهم وغيره، ولم يفرقوا بين شيء من ذلك ﴿لكان﴾ أي الإيمان ﴿خيراً لهم﴾ إشارة إلى تسفيه أحلامهم في وقوفهم مع ما منعهم عن الإيمان من العرض القليل الفاني والرئاسة التافهة، وتركهم الغنى الدائم والعز الباهر الثابت.
ولما كان هذا ربما أوهم أنه لم يؤمن منهم أحد قال مستأنفاً :﴿منهم المؤمنون﴾ أي الثابتون في الإيمان، ولكنهم قليل ﴿وأكثرهم الفاسقون﴾ أي الخارجون من رتبة الأوامر والنواهي خروجاً يضمحل معه خروج غيرهم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ١٣٥ ـ ١٣٦﴾

فصل


قال الفخر :


الصفحة التالية
Icon