وقد قيل في توجيه أحاديث هذا الباب : إن قرنه إنما فُضِّل لأنهم كانوا غُرَبَاء في إيمانهم لكثرة الكفار وصبرِهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم، وإن أواخر هذه الأمّة إذا أقاموا الدِّين وتمسّكوا به وصبروا على طاعة ربهم في حين ظهور الشر والفسق والهَرَج والمعاصي والكبائر كانوا عند ذلك أيضاً غُرَبَاء، وزكت أعمالهم في ذلك الوقت كما زَكَتْ أعمال أوائلهم، و( مما ) يشهد لهذا قوله عليه السَّلام :" بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء " ويشهد له أيضاً حديث أبي ثعلبة، ويشهد له أيضاً قوله ﷺ :" أُمَّتي كالمطر لا يُدْرَى أوّلُه خيرٌ أم آخره " ذكره أبو داود الطيالسِيّ وأبو عيسى الترمذي، ورواه هشام بن عبيد الله الرازي عن مالكٍ عن الزهري عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ :" مثل أمتي مثل المطرِ لا يُدْرَى أوّله خيرٌ أم آخره " ذكره الدارقطنِي في مسند حديث مالك.
قال أبو عمر : هشام بن عبيد الله ثقةٌ لا يختلفون في ذلك.
وروي أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة كتب إلى سالم بن عبد الله أن اكتب إليّ بسيرة عمر بن الخطاب لأعمل بها ؛ فكتب إليه سالم : إن عملت بسيرة عمر ؛ فأنت أفضل من عمر لأن زمانك ليس كزمان عمر، ولا رجالك كرجال عمر.
وكتب إلى فقهاء زمانه، فكلُّهم كتب إليه بمثل قول سالم.
وقد عارض بعض الجِلّة من العلماء قوله ﷺ :" خير الناس قرنِي " بقوله ﷺ :" خير الناس من طال عمره وحَسُن عملُه وشرُّ الناس من طال عمره وساء عمله " قال أبو عمر : فهذه الأحاديث تقتضي مع تَوَاتُر طرقها وحسنها التّسْويةَ بين أوّلِ هذه الأمّة وآخرِها.


الصفحة التالية
Icon