ألسنا نرى في الحياة إنسانا قد ارتكب ذنبا وأصابه ضرر، فيضرب نفسه ويقول : أنا الذي استأهل ما نزل بي وأستحقه، وكذلك الإنسان الكافر يجد نفسه يوم القيامة، وهو يدخل النار، ويقول لنفسه : أنا أستحق ما فعلته بنفسي، وتقول النار لحظتها ردا على سؤال الحق لها :
﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴾
[ق : ٣٠]
وفي الآخرة نرى أبعاض الإنسان الكافر وهي تبغض صاحبها، فإذا كان للإنسان ولاية على أبعاضه في الدنيا، وهي خاضعة لإرادته إلا أن هذه الأبعاض تأتي يوم القيامة وصاحبها خاضع لإرادتها. إن الظالم يقول ليده في الدنيا، " اضربي فلانا وشددى الصفعة " فلم تعصه يده في الدنيا ؛ لأن الله خلقها خاضعة لإرادته، والظالم لنفسه بالكفر يأمر لسانه أن ينطق كلمة الكفر، فلا يعصاه اللسان في الدنيا، لماذا ؟ لأن أبعاضه خاضعة لإرادته في الحياة الدنيا، لكن ذلك الكافر يأتي يوم القيامة وتنعزل عن إرادته، فتتحرر أبعاضه، ولا تكون مرغمة على أن تفعل الأفعال التي لا ترتضيها، وتتمرد الأبعاض على صاحبها، وتشهد عليه. قد يقول قائل : ولكن الأبعاض هي التي تتعذب. نعم، ولكنها تقبل العذاب تكفيرا عما فعلت.
إذن فالصحبة تبدأ من الأبعاض للنار ﴿ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ فإن رأينا كفارا يعملون خيرا في الدنيا فليحذر كل منا نفسه قائلا : إياك يا نفس أن تنخدعي بذلك الخير. لماذا ؟ لأن الكافر يعيش كفر القمة، وكل عمل مع كفر القمة هو عمل حابط عند الله، وإن كان غير حابط عند الناس. وبعد ذلك يقول الحق عن هؤلاء الكافرين :﴿ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَاذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ... ﴾. أ هـ ﴿تفسير الشعراوى صـ ١٦٩٤ ـ ١٦٩٦﴾


الصفحة التالية
Icon