فائدة
قال ابن عاشور :
وفي قوله ﴿ فيها صرّ ﴾ إفادة شدّة برد هذه الريح، حتَّى كأنّ جنس الصر مظروف فيها، وهي تحمله إلى الحرث.
والحرث هنا مصدر بمعنى المفعول : أي محروثَ قوم أي أرضاً محروثة والمراد أصابت زرعَ حرث.
وتقدّم الكلام على معاني الحرث عند قوله تعالى ﴿ والأنعام والحرث ﴾ [ آل عمران : ١٤ ] في أول السورة.
وقوله ﴿ ظلموا أنفسهم ﴾ إدماج في خلال التمثيل يكسب التمثيل تفظيعاً وتشويهاً وليس جُزءاً من الهيئة المشبّه بها.
وقد يذكر البلغاء مع المُشَبَّه به صفات لا يقصدون منها غير التحسين أو التقبيح كقول كعب بن زهير :
شُجَّت بذي شبم من ماء مَحْنيَة...
صافٍ بأبطحَ أضحى وهو مشمول
تنفي الرّياحُ القذى عنه وأفرطهُ...
من صَوْب سَارِيَةٍ بيض يعاليل
فأجرى على الماء الذي هو جزء المشبّه به صفات لا أثر لها في التشبيه.
والسامعون عالمون بأن عقاب الأقوام الذين ظلموا أنفسهم غاية في الشدّة، فذكر وصفهم بظلم أنفسهم لتذكير السامعين بذلك على سبيل الموعظة، وجيء بقوله ﴿ مثل ما ينفقون ﴾ غير معطوف على ما قبله لأنّه كالبيان لقوله ﴿ لن تغني عنهم أموالهم ﴾.
وقوله ﴿ وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون ﴾ الضمائر فيه عائدة على الذين كفروا.
والمعنى أنّ الله لم يظلمهم حين لم يتقبل نفقاتهم بل هم تسبّبوا في ذلك، إذ لم يؤمنوا لأن الإيمان جعله الله شرطاً في قبول الأعمال، فلما أعلمهم بذلك وأنذرهم لم يكن عقابه بعد ذلك ظلماً لهم، وفيه إيذان بأنّ الله لا يخالف وعده من نفي الظلم عن نفسه. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ١٩٨ ـ ١٩٩﴾
فصل
قال الفخر :