وثالثها : أنه على حذف مضاف، إمَّا من الأول، تقديره : مثل مهلك ما ينفقونه، وإما من الثاني، تقديره : كمثل مهلك ريح، وهذا الثاني أظهر ؛ لأنه يؤدِّي - في الأول - إلى تشبيه الشيء المُنْفَق - المُهْلَك - بالريح، وليس المعنى عليه، ففيه عَوْدٌ لما فُرَّ منه.
وذكر أبو حيان التقدير المشار إليه، ولم ينبه عليه اللهم إلا أن يريد بـ " مهلك " اسم مصدر، أي : مثل إهلاك ما ينفقون، ولكن يحتاج إلى تقدير مثل هذا المضاف - أيضاً - قبل " رِيح " تقديره : مثل إهلاك ما ينفقون كمثل إهلاك ريح.
وقيل : التقدير : مثل الكفر - في إهلاك ما ينفقون - كمثل الريح المهلكة للحرث.
وقال ابن الخطيب :" لعل الإشارة في قوله :﴿ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ ﴾ إلى ما أنفقوا في إنذار رسول الله ﷺ في جَمْع العساكر عليه، فكان هذا الإنفاق مهلكاً لجميع ما أتَوْا به من أعمال البر والخير، حينئذ يستقيم التشبيه من غير حاجة إلى إضمار، وتقديم وتأخير، والتقدير : مثل ما ينفقون في كونه مبطلاً لما أتوا به - قبل ذلك - من أعمال البر كمثل ريح فيها صر في كونها مبطلة للحرث ".
وهذا فيه نظر ؛ لأن الكفار لا يثبت لهم عملُ برٍّ، حتى تحبطه النفقة المذكورة، قال تعالى :﴿ وَقَدِمْنَآ إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً ﴾ [ الفرقان : ٢٣ ].
وقد يمكن أن يجاب عنه بأنه إن كان المراد بالذين كفروا : أهل الكتاب، فقد كانت لهم أعمال بر قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
وإن كان المراد : المشركين، فلا يُحْكَم عليهم إلا بعد البعثة، قال تعالى :﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾ [ الإسراء : ١٥ ].


الصفحة التالية
Icon