وبطانة الرجل : خاصَّته الذين يُبَاطنهم في الأمور، ولا يُظْهِر غيرَهم عليها، مشتقة من البطن، والباطن دون الظاهر، وهذا كما استعاروا الشعارَ والدِّثار في ذلك، قال ﷺ :" النَّاسُ دثار، والأنْصَارُ شِعَار ".
والشعَارُ : ما يلي الجسد من الثياب. ويقال : بَطَنَ فلانٌ بفلانٍ، بُطُوناً، وبِطَانة.
قال الشاعر :[ الطويل ].
أولَئِكَ خُلْصَانِي، نَعَمْ وَبِطَانَتِي... وَهُمْ عَيْبَتِي مِنْ دُونِ كُلِّ قَرِيبِ
فالبطانة مصدر يُسمَّى به الواحد والجمع، وأصله من البطن، ومنه : بطانة الثوب غير ظهارته.
فإن قيل : قوله :﴿ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً ﴾ نكرة في سياق النفي، فيقتضي العموم في النهي عن مصاحبة الكفار، وقد قال تعالى :﴿ لاَّ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ﴾ [ الممتحنة : ٨ ] فكيف الجمع فيهما.
فالجواب : أن الخاص مقدَّم على العام.
قوله :﴿ لاَ يَأْلُونَكُمْ ﴾ لما منع المؤمنين من أن يتخذوا بطانة من الكافرين ذَكَر علَّة النهي، وهي أمور :
أحدها : قوله :﴿ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً ﴾ يقال : ألا في الأمر، يَألُو فيه، أي : قصَّر - نحو غزا يغزو - فأصله أن يتعدى بحرف الجر كما ترى. واختلف في نصب " خَبَالاً " على وجوه :
أحدها : أنه مفعول ثانٍ، وإنما تعدَّى لاثنين ؛ للتضمين.
قال الزمخشري : يقال : ألا في الأمر، يألو فيه - أي : قصَّر - ثم استُعْمِل مُعَدًّى إلى مفعولين في قولهم : لا آلوك نُصْحاً، ولا آلوك جُهْداً، على التضمين، والمعنى : لا أمنعك نُصْحاً ولا أنقُصُكَهُ.