وقال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما قال :﴿وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾ [ آل عمران : ١٢٠ ] أتبعه بما يدلهم على سنة الله تعالى فيهم في باب النصرة والمعونة ودفع مضار العدو إذا هم صبروا واتقوا، وخلاف ذلك فيهم إذا لم يصبروا فقال :﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ يعني أنهم يوم أحد كانوا كثيرين للقتال، فلما خالفوا أمر الرسول انهزموا، ويوم بدر كانوا قليلين غير مستعدين للقتال فلما أطاعوا أمر الرسول غلبوا واستولوا على خصومهم، وذلك يؤكد قولنا، وفيه وجه آخر وهو أن الانكسار يوم أحد إنما حصل بسبب تخلف عبد الله بن أُبي بن سلول المنافق، وذلك يدل على أنه لا يجوز اتخاذ هؤلاء المنافقين بطانة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ١٧٨ ـ ١٧٩﴾
وقال ابن عاشور :
وجود حرف العطف في قوله :﴿ وإذ غدوت ﴾ مانع من تعليق الظرف ببعض الأفعال المتقدّمة مثل ﴿ ودوا ما عنتم ﴾ [ آل عمران : ١١٨ ] ومثل ﴿ يفرحوا بها ﴾ [ آل عمران : ١٢٠ ] وعليه فهو آت كما أتَتْ نظائره في أوائل الآي والقِصص القرآنية، وهو من عطف جملة على جملة وقصة على وذلك انتقال اقتضابي فالتقدير : واذكر إذ غدوت.
ولا يأتي في هذا تعلّق الظرف بفعل ممَّا بعده لأنّ قوله :﴿ تبوىء ﴾ لاَ يستقيم أن يكون مبدأ الغرض، وقوله :﴿ همت ﴾ لا يصلح لتعليق ﴿ إذ غدوت ﴾ لأنَّه مدخول ( إذْ ) أخرى.
ومناسبة ذكر هذه الوقعة عقب ما تقدّم أنَّها من أوضح مظاهر كيد المخالفين في الدّين، المنافقين، ولمَّا كان شأن المنافقين من اليهود وأهل يثرب واحداً، ودخيلتهما سواء، وكانوا يعملون على ما تدبّره اليهود، جمع الله مكائد الفريقين بذكر غزوة أحُد، وكان نزول هذه السورة عقب غزوة أحُد كما تقدّم. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٢٠٤ ـ ٢٠٥﴾