وتفسيرُ ما وقع في "صحيح البخاري" من حديث أبي هريرة : أنّ النبي ﷺ ترك الدعاء على المشركين بعد نزول هذه الآية أخذاً بكامل الأدب، لأنّ الله لمَّا أعلمه في هذا بما يدلّ على أن الله أعلَمُ بما فيه نفع الإسلام، ونقمة الكفر، ترك الدعاء عليهم إذ لعلّهم أن يسلموا.
وإذ جعلنا دعاءه ﷺ على قبائل من المشركين في القنوت شرعاً تقررّ بالاجتهاد في موضع الإباحة لأن أصل الدعاء على العدوّ مباح، فتركه لذلك بعد نزول هذه الآية، من قبيل النسخ بالقياس، نسخت حكم الإباحة التي هي استواء الفعل والترك بإثبات حكم أولوية الفعل.
ومنهم من أبعد المرمى، وزعم أن قوله :﴿ أو يتوب عليهم ﴾ منصوب بأن مضمرة وجوباً، وأنّ ( أو ) بمعنى حتَّى : أي ليس لك من أمر إيمانهم شيء حتَّى يتوب الله عليهم، أي لا يؤمنون إلاّ إذا تاب عليهم، وهل يجهل هذا أحد حتَّى يحتاج إلى بيانه، على أن الجملة وقعت بين علل النصر، فكيف يشتّت الكلام، وتنتثر المتعاطفات.
ومنهم من جعل ﴿ أو يتوب عليهم ﴾ عطفاً على قوله ﴿ الأمر ﴾ أو على قوله ﴿ شيء ﴾، من عطف الفعل على اسم خالص بإضمار أنْ على سبيل الجواز، أي ليس لك من أمرهم أو توبتهم شيء، أو ليس لك من الأمر شيء أو توبة عليهم.
فإن قلت : هلاّ جمع العقوبات متوالية : فقال ليقطع طرفاً من الَّذين كفروا، أو يكبتهم فينقلبوا خائبين، أو يتوبَ عليهم، أو يعذّبهم، قلت : روعي قضاء حقّ جمع النظير أولاً، وجمع الضدّين ثانياً، بجمع القَطْع والكبْتتِ، ثم جمع التوبة والعذاب، على نحو ما أجاب به أبو الطيب عن نقد من نقد قوله في سيف الدّولة :
وقفتَ وما في الموت شَكّ لواقف...
كأنَّك في جفن الردى وهو نائم
تَمُرّ بك الأبطال كَلْمى حزينة...
ووَجْهُك وَضّاح وثَغرك باسم