الثاني : أن المذنب إذا علم أنه لا يعاقب على ذنبه كان ذلك تقريراً له وإغراءاً للغير عليه وهذا ينافي حكمة إرسال الرسل صلوات الله تعالى وسلامه عليهم، وحملوا هذه الآية على التقييد وخصوا أمثالها من المطلقات بالصغائر أو الكبائر المقرونة بالتوبة، وقالوا : إن المراد يغفر لمن يشاء إذا تاب وجعلوا القرينة على ذلك أنه تعالى عقب قوله سبحانه :﴿ أَوْ يُعَذّبَهُمْ ﴾ [ آل عمران : ١٢٨ ] بقوله جل شأنه :﴿ فَإِنَّهُمْ ظالمون ﴾ [ آل عمران : ١٢٨ ] وهو دليل على أن الظلم هو السبب الموجب فلا تعذيب بدونه ولا مغفرة مع وجوده فهو مفسر ﴿ لِمَن يَشَاء ﴾ وأيدوا كون المراد ذلك بما روي عن الحسن في الآية ﴿ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء ﴾ بالتوبة ولا يشاء أن يغفر إلا للتائبين ﴿ وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء ﴾ ولا يشاء أن يعذب إلا للمستوجبين، وبما روي عن عطاء ﴿ يَغْفِرُ لِمَن ﴾ يتوب عليه ﴿ وَيُعَذّبُ مَن ﴾ لقيه ظالماً ؛ والجماعة تمسكوا بإطلاق الآيات، وأجابوا عن متمسك المخالف، أما عن الأول : فبأن تلك الآيات والأحاديث على تقدير عمومها إنما تدل على الوقوع دون الوجوب، والنزاع فيه على أن كثرة النصوص في العفو تخصص المذنب المغفور عن عمومات الوعيد، وأما عن الثاني : فبأن مجرد جواز العفو لا يوجب ظن عدم العقاب فضلاً عن الجزم به، وكيف يوجب جواز العفو العلم بعدم العقاب والعمومات الواردة في الوعيد المقرونة بغاية من التهديد ترجح جانب الوقوع بالنسبة إلى كل واحد وكفى به زاجراً فكيف يكون العلم بجواز العفو تقريراً وإغراءاً على الذنب مع هذا الزاجر.


الصفحة التالية
Icon