وَقَدْ كَانَ خُرُوجُ الْمُنَافِقِينَ مِنْهُمْ خَيْرًا لَهُمْ كَمَا قَالَ - تَعَالَى - فِي مِثْلِ ذَلِكَ يَوْمَ تَبُوكَ : لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا [٩ : ٤٧] الْآيَةَ، وَإِنَّمَا ارْتَأَى عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ عَدَمَ الْخُرُوجِ لِيَكْتَفِيَ أَمْرَ الْقِتَالِ أَوْ خَطَرَهُ حِرْصًا عَلَى الْحَيَاةِ وَإِيثَارًا لَهَا عَلَى إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللهِ. فَكَانَ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لِلرَّسُولِ فِي الرَّأْيِ مُخَالِفًا لَهُ فِي سَبَبِهِ وَعِلَّتِهِ، فَالرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُرَاعِي فِي جَمِيعِ حُرُوبِهِ الَّتِي كَانَتْ كُلُّهَا دِفَاعًا قَاعِدَةَ ارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ وَأَبْعَدِ الْأَمْرَيْنِ عَنِ الْعُدْوَانِ رَحْمَةً بِالنَّاسِ وَإِيثَارًا لِلسَّلَامِ، وَتَعَزَّزَ رَأْيُهُ الْمَبْنِيُّ عَلَى هَذِهِ السُّنَّةِ بِرُؤْيَا رَآهَا قَبْلَ ذَلِكَ - وَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ - رَأَى أَنَّ فِي سَيْفِهِ ثُلْمَةً وَرَأَى أَنَّ بَقَرًا تُذْبَحُ وَأَنَّهُ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ، فَتَأَوَّلَ الثُّلْمَةَ فِي
سَيْفِهِ بِرَجُلٍ يُصَابُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَكَانَ ذَلِكَ
الرَّجُلُ حَمْزَةَ عَمَّهُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَتَأَوَّلَ الْبَقَرَ بِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يُقْتَلُونَ، وَتَأَوَّلَ الدِّرْعَ بِالْمَدِينَةِ.


الصفحة التالية
Icon