فائدة
قال ابن عاشور :
وحكمة تحريم الرّبا هي قصد الشَّريعة حملَ الأمَّة على مواساة غنيِّها محتاجَها احْتياجاً عارضاً موقّتاً بالقرض، فهو مرتبة دون الصدقة، وهو ضرب من المواساة إلا أن المواساة منها فرض كالزكاة، ومنها ندب كالصّدقة والسلفِ، فإن انتدب لها المكلّف حرّم عليه طلب عوض عنها، وكذلك المعروف كُلّه، وذلك أن العادة الماضية في الأمم، وخاصّة العرب، أنّ المرء لا يتداين إلاّ لضرورة حياته، فلذلك كان حقّ الأمَّة مواساته.
والمواساة يظهر أنَّها فرض كفاية على القادرين عليها، فهو غير الَّذي جاء يريد المعاملة للربح كالمتبايعيْن والمتقارضين : للفرق الواضح في العرف بين التعامل وبين التداين إلاّ أن الشرع ميّز هاته الواهي بعضها عن بعض بحقائقها الذاتية، لا باختلاف أحوال المتعاقدين، فلذلك لم يسمح لصاحب المال في استثماره بطريقة الرّبا في السلف، ولو كان المستسلف غير محتاج، بل كان طالبَ سعة وإثراءٍ بتحريك المال الَّذي يتسلّفه في وجوه الربح والتجارة ونحو ذلك، وسمَح لصاحب المال في استثماره بطريقة الشركة والتِّجارة ودين السَّلَم، ولو كان الرّبح في ذلك أكثر من مقدار الرّبا تفرقة بين المواهي الشرعية.
ويمكن أن يكون مقصد الشريعة من تحريم الرّبا البعدَ بالمسلمين عن الكسل في استثمار المال، وإلجاؤهم إلى التشارك والتعاون في شؤون الدنيا، فيكون تحريم الرّبا، ولو كان قليلاً، مع تجويز الربح من التِّجارة والشركات، ولو كان كثيراً تحقيقاً لهذا المقصد.