ولما كان التقدير : وتتقدم إليهم بأبلغ مقال في تشديد الأقوال والأفعال، أشار تعالى إلى أنه وقع في غضون ذلك منه ومنهم كلام كثير خفي وجلي بقوله :﴿والله﴾ أي والحال أن الملك الأعظم الذي أنتم في طاعته ﴿سميع﴾ أي لأقوالكم ﴿عليم﴾ أي بنياتكم في ذلك وغيره فاحذروه، ولعله خص النبي ﷺ بلذيذ الخطاب في التذكير تحريضاً لهم مع ما تقدمت الإشارة إليه على المراقبة تعريضاً لهم بأنهم خفوا مع الذين ذكرهم أمر بعاث حتى تواثبوا حين تغاضبوا إلى السلاح - كما ذكر في سبب نزول قوله تعالى :﴿يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب﴾ [ آل عمران : ١٠٠ ]، فوقفوا عن نافذ الفهم وصافي الفكر خفة إلى ما أراد بهم عدوهم فاقتضى هذا التحذير كله، ويؤيد ذلك إقباله في الخطاب عليهم عند نسبة الفشل إليها - كما يأتي قريباً، ولعله إنما خص هذه الغزوة بالذكر دون ما ذكرت أن واو عطفها دلت عليه مما أيدوا فيه بالنصر لأن الشماتة بالمصيبة أدل على البغضاء والعداوة من الحزن بما يسر، ودل ذكرها على المحذوف لأن المدعي فيما قبلها شيئان : المساءة بالحسنة، والفرح والمسرة بالمصيبة، فإذا برهن المتكلم على الثاني عليم ولا بد أنه حذف برهان الأول، وأنه إنما حذفه - وهو حكيم - لنكتة، وهي هنا عدم الاحتياج إلى ذكره لوضوحه بدلالة السياق مع واو العطف عليه، وما تقدم من كونه غير صريح الدلالة في أمر البغض على أنه تعالى قد ذكر بدراً - كما ترى - بعد محكمة ستذكر، وأطلق سبحانه وتعالى - كما عن الطبري وغيره - التبوء على ابتداء القتال بالاستشارة فإن الكفار لما نزلوا يوم الأربعاء ثاني عشر شوال سنة ثلاث من الهجرة في سفح أحد مكث رسول الله ﷺ ينتظر فيهم ما يأتيه من الوحي بقية يوم الأربعاء ويوم الخميس وليلة


الصفحة التالية
Icon