فصل
قال الثعالبى :
وقوله سبحانه :﴿ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السموات والأرض ﴾، أي : كعرض السموات والأرض، قال ابنُ عبَّاس في تفسير الآية : تقرن السمواتُ والأرَضُونَ بعضها إلى بعض ؛ كما تبسطُ الثيابُ، فذلك عَرْضُ الجَنَّة ؛ ولا يَعْلَمُ طولَهَا إلا اللَّه سبحانه ؛ وفي الحديثِ الصحيحِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ :" إنَّ بَيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ أَبْوابِ الجَنَّةِ مَسِيرَةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَسَيَأْتِي عَلَيْهَا يَوْمٌ يَزْدَحِمُ النَّاسُ فِيهَا كَمَا تَزْدَحِمُ الإبِلُ، إذَا وَرَدَتْ خُمُصاً ظِمَاءً " وفي الصحيح :" إنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ المُجِدُّ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا " فهذا كلُّه يقوِّي قولَ ابْنِ عَبَّاسِ، وهو قولُ الجُمْهور :"إنَّ الجنَّة أَكْبرُ من هذه المخلوقاتِ المذْكُورة، وهي ممتدَّة على السَّماء ؛ حيْثُ شاء اللَّه تعالى، وذلك لا يُنْكَرُ، فإن في حديث النبيِّ ﷺ :" مَا السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُونَ السَّبْعُ فِي الكُرْسِيِّ إلاَّ كَدَرَاهِمَ أُلْقِيَتْ فِي فَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ، وَمَا الكُرْسِيُّ فِي العَرْشِ إلاَّ كَحَلْقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ أُلْقِيَتْ فِي فَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ ". قال * ع * : فهذه مخلوقاتٌ أعظم بكثير جدًّا من السمواتِ والأرضِ، وقدرةُ اللَّه أعْظَمُ مِنْ ذلك كلِّه، قلتُ : قال الفَخْر وفي الآية وجْه ثانٍ ؛ أنَّ الجنَّة التي عرضُها مثْلُ عَرْضِ السمواتِ والأرضِ، إنما تكونُ للرَّجُل الواحدِ ؛ لأن الإنسان يَرْغَبُ فيما يكون مِلْكاً له، فلا بُدَّ أَنْ تصير الجَنَّة المملوكة لكلِّ أحد مقْدَارُها هكذا. اه.