وقال الفخر :
اعلم أن الله تعالى لما وعد على الطاعة والتوبة من المعصية الغفران والجنات، أتبعه بذكر ما يحملهم على فعل الطاعة وعلى التوبة من المعصية وهو تأمل أحوال القرون الخالية من المطيعين والعاصين فقال :﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ١٠﴾
فائدة
قال ابن عاشور :
ابتدئت هاته المقدّمة بحقيقة تاريخية : وهي الاعتبار بأحوال الأمم الماضية.
وجيء ب ( قد )، الدّالة على تأكيد الخبر، تنزيلاً لهم منزلة من ينكر ذلك لما ظهر عليهم من انكسار الخواطر من جراء الهزيمة الحاصلة لهم من المشركين، مع أنّهم يقاتلون لنصر دين الله، وبعد أن ذاقوا حلاوة النَّصر يوم بدر، فبيّن الله لهم أنّ الله جعل سنّة هذا العامل أن تكون الأحوال فيه سجالاً ومداولة، وذكّرهم بأحوال الأمم الماضية، فقال :﴿ قد خلت من قبلكم سنن ﴾.
والله قادر على نصرهم، ولكن الحكمة اقتضت ذلك لئلاّ يغترّ من يأتي بعدهم من المسلمين، فيحسب أنّ النَّصر حليفهم. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٢٢٥ ـ ٢٢٦﴾

فصل


قال الفخر :
قال الواحدي : أصل الخلو في اللغة الانفراد والمكان الخالي هو المنفرد عمن يسكن فيه ويستعمل أيضا في الزمان بمعنى المضي لأن ما مضى انفرد عن الوجود وخلا عنه، وكذا الأمم الخالية، وأما السنة فهي الطريقة المستقيمة والمثال المتبع، وفي اشتقاق هذه اللفظة وجوه :
الأول : أنها فعلة من سن الماء يسنه اذا والى صبه، والسن الصب للماء، والعرب شبهت الطريقة المستقيمة بالماء المصبوب فإنه لتوالي أجزاء الماء فيه على نهج واحد يكون كالشيء الواحد، والسنة فعلة بمعنى مفعول،
وثانيها : أن تكون من : سننت النصل والسنان أسنه سنا فهو مسنون إذا حددته على المسن، فالفعل المنسوب إلى النبي ﷺ سمي سنة على معنى أنه مسنون،


الصفحة التالية
Icon