و " قال يعلى بن أبي مُرّة : لقيتُ التَنُّوخي رسول هِرقْلَ إلى النبي ﷺ بِحمْص شيخا كبيرا قال : قدِمت على رسول الله ﷺ بكتاب هرقل، فناول الصحيفة رجلا عن يساره، قال : فقلت من صاحبكم الذي يقرأ ؟ قالوا : معاوية ؛ فإذا كتاب صاحبي : إنك كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السموات والأرض فأين النار ؟ فقال رسول الله ﷺ :"سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار" "
وبمثل هذه الحجة استدل الفاروق على اليهود حين قالوا له : أرأيت قولكم "وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ" فأين النار ؟ فقالوا له : لقد نزعت بما في التوراة.
ونَبَّه تعالى بالعرض على الطول لأن الغالب أن الطول يكون أكثر من العرض، والطول إذا ذكر لا يدل على قدر العرض.
قال الزُّهري : إنما وصف عرضها.
فأما طولها فلا يعلمه إلا الله ؛ وهذا كقوله تعالى :﴿ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ﴾ فوصف البِطَانَة بأحسن ما يعلم من الزينة، إذ معلوم أن الظواهر تكون أحسن وأَتقن من البطائن. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٤ صـ ٢٠٤ ـ ٢٠٥﴾
السؤال الثاني : لم خص العرض بالذكر.
والجواب فيه وجهان :
الأول : أنه لما كان العرض ذلك فالظاهر أن الطول يكون أعظم ونظيره قوله :﴿بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾ [ الرحمن : ٥٤ ] وإنما ذكر البطائن لأن من المعلوم أنها تكون أقل حالا من الظهارة، فاذا كانت البطانة هكذا فكيف الظهارة ؟ فكذا ههنا اذا كان العرض هكذا فكيف الطول
والثاني : قال القفال : ليس المراد بالعرض ههنا ما هو خلاف الطول، بل هو عبارة عن السعة كما تقول العرب : بلاد عريضة، ويقال هذه دعوى عريضة، أي واسعة عظيمة، والأصل فيه أن ما اتسع عرضه لم يضق، وما ضاق عرضه دق، فجعل العرض كناية عن السعة.


الصفحة التالية
Icon