قال رجل لبعض الحًكماء : عِظْني. قال : لا يَراك اللهّ بحيث نَهَاك، ولا يَفْقِدك من حيثُ أمرَك. وقيل لحكيم : عِظْني. قال : جميعُ المواعظ كلّها مُنتظمة في حرف واحد ؟ قال : وما هو ؟ قال : تُجْمِع على طاعة اللّه، فإذا أنت قد حَوَيت المواعظ كُلَّها. وقال أبو جعفر لسُفْيان عِظْني. قال : وما عَمِلتَ فيما عَلِمْتَ فأعِظَك فيما جهلتَ ؟. قال هارون لابن السمّاك : عِظني. قال : كفي بالقرآن واعظاً ؛ يقول الله تبارك وتعالى :" ألمْ تر كيفَ فَعَلَ رَبكَ بِعَاد. إرَمَ ذَاتِ العِماد التي لمْ يُخْلَق مثلُها في البِلاد ". إلى قوله " فصَّبّ عليهم ربك سَوْط عَذَاب. إنَّ ربك لبَالمِرْصاد ".
مكاتبة جرت بين الحكماء
عَتَبَ حَكيمٌ على حكيم، فَكَتَبَ المَعْتُوبُ عليه إلى العاتب : يا أخي، إنّ أيام العُمْر أقصرُ من أن تحتمل الهَجْر. فَرَجع إليه.
وكتب الحسنُ إلى عُمَر بن عبد العزيز : أما بعد، فكأنك بالدنيا لم تكُن، وبالآخرة لم تَزَل. والسلام. وكتب إليه عُمر : أما بعد، فكأنّ آخر من كُتِبَ عليه الموت قد مات، والسلام.
ابن المُبارك قال : كتب سَلْمان الفارسيّ إلى أبي الدّرداء : أما بعد، فإنك لن تنال ما تُريد إلا بترْكِ ما تشتهي، ولن تنال ما تأمُل إلا بالصَّبر على ما تَكْره. فَلْيكُن كلامُك ذِكْراً، وصَمْتك فِكْرا، ونظرك عِبَرا، فإنّ الدُّنيا تتقلب، وبهجتها تتغيَّر، فلا تغترّ بها، وليكن بيتُك المسجدَ، والسلام. فأجابه أبو الدَّرداء : سلامٌ عليك، أما بعد، فإنِّي أُوصيك بتَقْوَى اللّه، وأن تأخذ من صِحَّتِك لِسَقَمِك، ومن شبابك لهِرَمك، ومن فراغك لِشُغلك، ومن حياتك لمَوْتك، ومن جَفائك لمودَّتك، واذكر حياةً لا موتَ فيها في إحدى المنزلتين : إما في الجنة، وإما في النار، فإنك لا تَدْري إلى أيهما تَصير.


الصفحة التالية
Icon