ثم خرج رسول الله ﷺ حتى نزل بالشِّعب من أحد، وأمر عبد الله بن جبير على الرُّمَاة وقال لهم :" لاَ تَبْرَحُوا مِنْ هَذَا المَوْضِعِ، وَاثْبُتُوا هاهنا إِنْ كَانَ الأَمْرُ عَلَيْنَا أَوْ لَنَا " وقال في رواية الكلبي : كان الرماةُ خمسين رجلاً.
وقَال في رواية الضحاك : كانوا سبعين رجلاً.
فجعل رسول الله ﷺ ظهره إلى أُحد، ودنا المشركون وأخذوا في الحرب، فقامت هند امرأة أبي سفيان وصواحبتها حين حميت الحرب، يضربن بالدُّفوف خلف قريش ويقلن :
نَحْنُ بَنَاتُ طَارِق.
.. نَمْشِي على النَّمَارق
إِن تُقْبِلُوا نُعَانِق.
.. أَو تُدْبِرُوا نفارق
فِرَاقَ غَيْرَ وَامِق.
.. فقاتل أبو دجانة في نفر من المسلمين قتالاً شديداً، وقاتل علي بن أبي طالب حتى انكسر سيفه، وقاتل سعد بن أبي وقاص، وكان النبيّ ﷺ يقول لسعد :" ارْمِ فَداكَ أَبِي وَأُمِّي " فقتلوا جماعة من المشركين، وَصَدَقَهم الله وعده وأنزل نصره، حتى كانت هزيمة القوم لا شكّ.
فكشفوهم عن عسكرهم قال الزبير : رأيت هنداً وصواحبتها هوارب، فلما نظر الرماة إلى القوم وانهزموا، أقبلوا على النهب فقال لهم عبد الله بن جُبَيْر : لا تَبْرحوا عن هذا الموضع، فإن رسول الله ﷺ قد عَهِدَ إليكم.
فلم يلتفتوا إلى قوله، وظنوا أن المشركين قد انهزموا ؛ فبقي عبد الله بن جبير مع ثمانية نفر، فخرج خالد بن الوليد مع خمسين ومائتي فارس من قِبَل الشِّعب، فقتلوا من بقي من الرماة، ودخلوا خلف أقفية المسلمين، وتفرق المسلمون ورجع المشركون، وحملوا حملةً واحدة، فصار المسلمون ثلاثة أنواع : بعضهم جريح، وبعضهم قتيل، وبعضهم منهزم.