والثاني : أن الكفار قد نالهم يوم أحد مثل ما نالكم من الجرح والقتل، لأنه قتل منهم نيف وعشرون رجلا، وقتل صاحب لوائهم والجراحات كثرت فيهم وعقر عامة خيلهم بالنبل، وقد كانت الهزيمة عليهم في أول النهار. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ١٣﴾
فائدة
قال ابن عاشور :
إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القوم قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الايام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس }.
تسلية عمَّا أصاب المسلمين يوم أُحُد من الهزيمة بأن ذلك غير عجيب في الحرب، إذ لا يخلو جيش من أن يغلب في بعض مواقع الحرب، وقد سبق أنّ العدوّ غُلب.
والمسّ هنا الإصابة كقوله في سورة [ البقرة : ٢١٤ ] ﴿ مستهم البأساء والضراء ﴾ والقَرح بفتح القاف في لغة قريش الجرح، وبضمِّها في لغة غيرهم، وقرأه الجمهور : بفتح القاف، وقرأه حمزة والكسائي، وأبو بكر عن عاصم، وخلف : بضمّ القاف، وهو هنا مستعمل في غير حقيقته، بل هو استعارة للهزيمة الَّتي أصابتهم، فإنّ الهزيمة تشبّه بالثلمة وبالانكسار، فشبّهت هنا بالقرح حين يصيب الجسد، ولا يصحّ أن يراد به الحقيقة لأنّ الجراح الَّتي تصيب الجيش لا يعبأ بها إذا كان معها النصر، فلا شكّ أنّ التسلية وقعت عمّا أصابهم من الهزيمة.
والقوم هم مشركو مكة ومن معهم.
والمعنى إن هُزِمتم يوم أُحُد فقد هزم المشركون يوم بدر وكنتم كفافاً.
ولذلك أعقبه بقوله : وتلك الأيام نداولها بين الناس }.
والتَّعبير عمَّا أصاب المسلمين بصيغة المضارع في ﴿ يمسسكم ﴾ لقُربه من زمن الحال، وعمّا أصاب المشركين بصيغة الماضِي لبعده لأنَّه حصل يوم بدر.


الصفحة التالية
Icon