وتخريج آية آل عمران على هذا أوضح وكلا الضريبن يحرز المبالغة وبالجملة فقصد المبالغة فى مثل ما تقدم يستلزم فى الغالب الإيجاز إما بالحذف وإما بجعل الشئ نفس الشئ أو بتكرر لفظ يفهم بتكرره التهويل والتعظيم ويقوم مقام أوصاف وذكر أهوال كقوله تعالى :"الحاقة ما الحاقة" و"القارعة ما القارعة"، وقد ذكر سيبويه رحمه الله هذه الضروب فى أبواب شتى لافتراقها فى أحكام تقتضى تفصيل التبويب مع اتفاقها فى ما ذكرنا وفى جرى الإيجاز فى جميعها ولما اتصل بقوله"عرضها" فى آية آل عمران وهو مبتدأ والخبر عنه مجموع فقيل"السماوات" فأفصح الجمع ما مهدناه من قصد المبالغة والتعظيم ثم أتبع ذلك ما يحرز مقصود ذلك من التعظيم والمبالغة أيضا وهو وصف من أعدت له الجنة الموصوفة ووسمهم بالمتقين وهو الذين وفوا بالإيمان وتوابعه التى بها يكمل مما ذكر فى آية"ليس البر" من لدن قوله تعالى :"ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر" إلى قوله"أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون"، ولم يكن قوله تعالى :"عرضها السماوات" بالجمع كقوله فى آية الحديد"كعرض السماء" فأفرد ولا قوله"أعدت للمتقين" كقوله فى آية الحديد"أعدت للذين آمنوا بالله ورسله" فلما تضمنت آية آل عمران من قصد المبالغة من هذه الجهات والقرائن التى ذكرنا ما لم تتضمن آية الحديد ناسب ذلك جعل العرض نفس السماوات والأرض من غير إفصاح بالمضاف المقدر الذى لابد منه عند بيان المعنى على ما تقدم ولما لم يقصد فى آية الحديد ذلك أفصح فيها بما يعطى معنى مثل وهى كاف التشبيه وورد كل على ما يناسب ويلائم.