والعَرض في كلام العرب يطلق على ما يقابل الطول، وليس هو المراد هنا، ويطلق على الاتِّساع لأنّ الشيء العريض هو الواسع في العرف بخلاف الطويل غير العريض فهو ضيق، وهذا كقول العُديل :
ودونَ يدِ الحَجَّاج منْ أنْ تنالني
بساط بأيدِي الناعِجاتتِ عرِيضُ...
وذِكر السماوات والأرض جار على طريقة العرب في تمثيل شدّة الاتّساع.
وليس المراد حقيقة عرض السماوات والأرض ليوافق قول الجمهور من علمائنا بأن الجنَّة مخلوقة الآن، وأنَّها في السماء، وقيل : هو عرضها حقيقة، وهي مخلوقة الآن لكنّها أكبر من السماوات وهي فوق السماوات تحت العرش، وقد رُوي : العرش سقف الجنة.
وأما من قال : إن الجنّة لم تخلق الآن وستخلق يوم القيامة، وهو قول المعتزلة وبعض أهل السنّة منهم مُنذر بن سعيد البَلُّوطي الأندلسي الظاهري، فيجوز عندهم أن تكون كعرض السماوات والأرض بأن تخلق في سعة الفضاء الَّذي كان يملؤه السماوات والأرض أو في سعة فضاء أعظم من ذلك.
وأدلّة الكتاب والسنّة ظاهرة في أنّ الجنَّة مخلوقة، وفي حديث رؤيا رآها النَّبيء ﷺ وهو الحديث الطويل الذي فيه قوله :" إنّ جبريل وميكاييل قالا له : ارفع رأسك، فرفع فإذا فوقه مثل السحاب، قالا : هذا منزلك، قال : فقلت : دَعاني أدخُل منزلي، قالا : إنَّه بقي لك عُمُر لم تستكمله فلو استكملت أتيت منزلك ".
أعقب وصف الجنَّة بذكر أهلها لأنّ ذلك ممَّا يزيد التَّنويه به، ولم يزل العقلاء يتخيّرون حسن الجوار كما قال أبو تمام :
مَنْ مُبْلِغُ أفْنَاءَ يعرُب كلّها
أني بَنيت الجارَ قبل المنزلِ...