والاستفهام مستعمل في معنى النَّفي، بقرينة الاستثناء منه، والمقصود تسديد مبادرتهم إلى استغفار الله عقب الذنب، والتعريض بالمشركين الَّذين اتّخذوا أصنامهم شفعاء لهم عند الله، وبالنَّصارى في زعمهم أنّ عيسى رفع الخطايا عن بني آدم ببلية صَلبه.
وقوله :﴿ ولم يصروا ﴾ إتمام لركْني التَّوبة لأنّ قوله :﴿ فاستغفروا لذنوبهم ﴾ يشير إلى الندم، وقوله :﴿ ولم يصروا ﴾ تصريح بنفي الإصرار، وهذان ركنا التَّوبة.
وفي الحديث :" النَّدم توبة "، وأما تدارك ما فرّط فيه بسبب الذنب فإنَّما يكون مع الإمكان، وفيه تفصيل إذا تعذّر أو تعسّر، وكيف يؤخذ بأقصى ما يمكن من التدارك.
وقوله :﴿ ولم يصروا على ما فعلوا ﴾ حال من الضّمير المرفوع في "ذكروا" أي : ذكروا الله في حال عدم الإصرار.
والإصرار : المُقام على الذنب، ونفيُه هو معنى الإقلاع.
وقوله :﴿ وهم يعلمون ﴾ حال ثانية، وحذف مفعول يعلمون لظهوره من المقام أي يعلمون سوء فعلهم، وعظم غضب الربّ، ووجوبَ التوبة إليه، وأنَّه تفضّل بقبول التَّوبة فمحا بها الذنوب الواقعة.
وقد انتظم من قوله :﴿ ذكروا الله فاستغفروا ﴾ وقوله :﴿ ولم يصروا ﴾ وقوله :﴿ وهم يعلمون ﴾ الأركان الثلاثة الَّتي ينتظم منها معنى التَّوبة في كلام أبي حامد الغزالي في كتاب التَّوبة من "إحياء علوم الدّين" إذ قال :"وهي عِلْم، وحال، وفعل.


الصفحة التالية
Icon