ولا يرد ما أورده التفتزاني، وأجاب عنه بأنّ الكناية في النفي بنيت على الكناية في الإثبات، وهو تكلّف، إذ شأن التراكيب استقلالها في مفادها ولوازمها. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٢٣٤ ـ ٢٣٥﴾
قوله تعالى :﴿وَيَعْلَمَ الصابرين﴾
قال الفخر :
أما قوله :﴿وَيَعْلَمَ الصابرين﴾ فاعلم أنه قرأ الحسن ﴿وَيَعْلَمَ الصابرين﴾ بالجزم عطفاً على ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ الله﴾ وأما النصب فبإضمار أن، وهذه الواو تسمى واو الصرف، كقولك : لا تأكل السمك وتشرب اللبن، أي لا تجمع بينهما، وكذا ههنا المراد أن دخول الجنة وترك المصابرة على الجهاد مما لا يجتمعان، وقرأ أبو عمرو ﴿وَيَعْلَمَ﴾ بالرفع على تقدير أن الواو للحال.
كأنه قيل : ولما تجاهدوا وأنتم صابرون.
واعلم أن حاصل الكلام أن حب الدنيا لا يجتمع مع سعادة الآخرة، فبقدر ما يزداد أحدهما ينتقص الآخر، وذلك لأن سعادة الدنيا لا تحصل إلا باشتغال القلب بطلب الدنيا، والسعادة في الآخرة لا تحصل إلا بفراغ القلب من كل ما سوى الله وامتلائه من حب الله، وهذان الأمران مما لا يجتمعان، فلهذا السر وقع الاستبعاد الشديد في هذه الآية من اجتماعهما، وأيضاً حب الله وحب الآخرة لا يتم بالدعوى، فليس كل من أقر بدين الله كان صادقا، ولكن الفصل فيه تسليط المكروهات والمحبوبات، فإن الحب هو الذي لا ينقص بالجفاء ولا يزداد بالوفاء، فإن بقي الحب عند تسليط أسباب البلاء ظهر أن ذلك الحب كان حقيقياً، فلهذه الحكمة قال :﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة﴾ بمجرد تصديقكم الرسول قبل أن يبتليكم الله بالجهاد وتشديد المحنة، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ١٧﴾


الصفحة التالية
Icon