وفي هذه الآيات سر لطيف وعبرة وحكمة، وذلك أن أبانا آدم كان في الجنة يأكل منها رغداً حيث شاء في أتم نعمة وأكمل سرور، وأرغد عيش. كما قال له ربه :﴿ إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تعرى وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تضحى ﴾ [ طه : ١١٨-١١٩ ] ولو تناسلنا فيها لكنا في أرغد عيش وأتم نعمة، ولكن إبليس عليه لعائن الله احتال بمكره وخداعه على أبوينا حتى أخرجهما من الجنة، إلى دار الشقاء والتعب.
وحينئذ حكم الله تعالى أن جنته لا يدخلها أحد إلا بعد الابتلاء بالشدائد وصعوبة التكاليف. فعلى العاقل منا - معاشر بني آدم - أن يتصور الواقع ويعلم أننا في الحقيقة سبي سباه إبليس بمكره وخداعه من وطنه الكريم إلى دار الشقاء والبلاء، فيجاهد عدوه إبليس ونفسه الأمارة بالسوء حتى يرجع إلى الوطن الأول الكريم، كما قال العلامة ابن القيم تغمده الله برحمته :
ولكننا سبي العدو فهل ترى... نرد إلى أوطاننا ونسلم
ولهذه الحكمة أكثر الله تعالى في كتابه من ذكر قصة إبليس مع آدم لتكون نصب أعيننا دائماً. أ هـ ﴿أضواء البيان حـ ١ صـ ٢٠٩ ـ ٢١٠﴾
" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
قوله تعالى ﴿أم حسبتم﴾
وفي " أم " - هذه - أوجه :
أظهرها : أنها منقطعة، مقدَّرة بـ " بل "، وهمزة الاستفهام ويكون معناه الإنكار عليهم.
وقيل :" أمْ " بمعنى الهمزة وحدها، ومعناه كما تقدم التوبيخ والإنكار.
وقيل : هذا الاستفهام معناه النهي.


الصفحة التالية
Icon