وفي قوله :﴿ والله يعصمك عن الناس ﴾ [ المائدة : ٦٧ ] عقب قوله :﴿ بلغ ما أنزل إليك من ربك ﴾ [ المائدة : ٦٧ ] الدالّ على أنّ عصمته من النَّاس لأجل تبليغ الشَّريعة.
فقد ضمن الله له الحياة حتَّى يبلّغ شرعه، ويتمّ مراده، فكيف يظنّون قتله بيد أعدائه، على أنَّه قبل الإعلان بإتمام شرعه، ألا ترى أنَّه لمّا أنزل قوله تعالى :﴿ اليوم أكملت لكم دينكم ﴾ [ المائدة : ٣ ] الآية.
بكى أبو بكر وعلم أنّ أجل النَّبيء ﷺ قد قرب، وقال : ما كمُل شيء إلاّ نقص.
فالجملة، على هذا، في موضع الحال، والواو واو الحال.
وإن كان هذا إنكاراً مستأنفاً على الَّذين فزعوا عند الهزيمة وخافوا الموت، فالعموم في النفس مقصود أي ما كان ينبغي لكم الخوف وقد علمتم أنّ لكلّ نفس أجلاً.
وجيء في هذا الحكم بصيغة الجحود للمبالغة في انتفاء أن يكون موت قبل الأجل، فالجملة، على هذا، معترضة، والواو اعتراضية، ومثل هذه الحقائق تلقى في المقامات الَّتي يقصد فيها مداواة النُّفوس من عاهات ذميمة، وإلاّ فإنّ انتهاء الأجل منوط بعلم الله لا يعلم أحد وقته، ﴿ وما تدري نفس بأي أرض تموت ﴾ [ لقمان : ٣٤ ]، والمؤمن مأمور بحفظ حياته، إلاّ في سبيل الله، فتعيّن عليه في وقت الجهاد أن يرجع إلى الحقيقة وهي أنّ الموت بالأجل، والمراد ﴿ بإذن الله ﴾ تقديره وقت الموت، ووضعه العلامات الدالة على بلوغ ذلك الوقت المقدّر، وهو ما عبّر عنه مرّة ب ( كن )، ومرة بقدر مقدُور، ومرّة بالقلم، ومرّة بالكتاب.