واعلم أن هذه الآية وإن وردت في الجهاد خاصة، لكنها عامة في جميع الأعمال، وذلك لأن المؤثر في جلب الثواب، والعقاب المقصود والدواعي لا ظواهر الأعمال، فإن من وضع الجبهة على الأرض في صلاة الظهر والشمس قدامه، فإن قصد بذلك السجود عبادة الله تعالى كان ذلك من أعظم دعائم الإسلام، وإن قصد به عبادة الشمس كان ذلك من أعظم دعائم الكفر.
وروى أبو هريرة عنه عليه السلام أن الله تعالى يقول يوم القيامة لمقاتل في سبيل الله " في ماذا قتلت فيقول أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت فيقول تعالى : كذبت بل أردت أن يقال فلان محارب وقد قيل ذلك " ثم إن الله تعالى يأمر به إلى النار. (١) أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٢١﴾
وقال السمرقندى :
﴿ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا ﴾ قال الكلبي : يعني يرد ثواب الدنيا بالعمل الذي افترض الله عليه ﴿ نُؤْتِهِ مِنْهَا ﴾ يعني أعطاه الله ما يحب، وما له في الآخرة من نصيب ﴿ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخرة نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِى الشاكرين ﴾ في الآخرة.
ومن الناس من قال : إن الرياء يدخل في النوافل، ولا يدخل في الفرائض، لأن الفرائض واجبة على جميع الناس.
وقال بعضهم : يدخل في الفرائض ولا يدخل في النوافل، لأنه لو لم يأتِ بها لا يؤاخذ بها، فإذا أتى بهذا القدر ليس عليه غير ذلك.
وقال بعضهم : كلاهما سواء، فالرياء يدخل في الفرائض والنوافل جميعاً.
وهذا القول أصح لقوله تعالى :﴿ إِنَّ المنافقين يخادعون الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قاموا إِلَى الصلاة قَامُواْ كسالى يُرَآءُونَ الناس وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [ النساء : ١٤٢ ]. أ هـ ﴿بحر العلوم حـ ١ صـ ٢٧٩﴾
(١) نص الحديث ( إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها ؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها ؟ قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها ؟ قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار. ﴿صحيح مسلم برقم ١٩٠٥ - باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار﴾