واعلموا أنَّه إذا كان هذا شأن أتباع الأنبياء، وكانت النُّبوءة هدياً وتعليماً، فلا بدع أن يكون هذا شأن أهل العلم، وأتباع الحقّ، أن لا يوهنهم، ولا يضعفهم، ولا يخضعهم، مقاومة مقاوم، ولا أذى حاسد، أو جاهل، وفي الحديث الصّحيح، في "البخاري" : أن خَبَّاباً قال للنَّبيء ﷺ " لقد لقينا من المشركين شدّة ألاَ تدعُو الله " فقعد وهو محمّر وجهه فقال :" لقد كان مَن قبلكم لَيُمشَط بِمِشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضَع المنشار على مَفْرِق رأسه فيُشَقّ باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه " الحديث. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٢٤٤ ـ ٢٤٥﴾
قوله تعالى :﴿والله يُحِبُّ الصابرين﴾
قال الفخر :
المعنى أن من صبر على تحمل الشدائد في طريق الله ولم يظهر الجزع والعجز والهلع فإن الله يحبه، ومحبة الله تعالى للعبد عبارة عن إرادة إكرامه واعزازه وتعظيمه، والحكم له بالثواب والجنة، وذلك نهاية المطلوب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٢٣﴾
وقال الآلوسى :
﴿ والله يُحِبُّ الصابرين ﴾ على مقاساة الشدائد ومعاناة المكاره في سبيله فينصرهم ويعظم قدرهم.
والمراد بالصابرين إما الربيون، والإظهار في موضع الإضمار للتصريح بالثناء عليهم بالصبر الذي هو ملاك الأمر مع الإشعار بعلة الحكم، وإما ما يعمهم وغيرهم وهم داخلون في ذلك دخولاً أولياً.
والجلمة على التقديرين تذييل لما قبلها. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٤ صـ ٨٤﴾