فائدة
قال الفخر :
بين تعالى أنهم كانوا مستعدين عند ذلك التصبر والتجلد بالدعاء والتضرع بطلب الأمداد والإعانة من الله، والغرض منه أن يقتدي بهم في هذه الطريقة أمة محمد ﷺ، فإن من عول في تحصيل مهماته على نفسه ذل، ومن اعتصم بالله فاز بالمطلوب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٢٤﴾
فصل
قال ابن عاشور :
وقوله تعالى :﴿ وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا ﴾ الآية عطف على ﴿ فما وهنوا ﴾ لأنَّه لمّا وصفهم برباطة الجأش، وثبات القلب، وصفهم بعد ذلك بما يدلّ على الثبات من أقوال اللِّسان الَّتي تجري عليه عند الاضطراب والجزع، أي أنّ ما أصابهم لم يخالجهم بسببه تردّد في صدق وعد الله، ولا بَدَر منهم تذمّر، بل علموا أنّ ذلك لحكمة يعلمها سبحانه، أو لعلَّه كان جزاء على تقصير منهم في القيام بواجب نصر دينه، أو في الوفاء بأمانة التكليف، فلذلك ابتهلوا إليه عند نزول المصيبة بقولهم :﴿ ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ﴾ خشية أن يكون ما أصابهم جزاء على ما فرط منهم، ثُمّ سألوه النصر وأسبابه ثانياً فقالوا :﴿ وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ﴾ فلم يصُدّهم ما لحقهم من الهزيمة عن رجاء النَّصر، وفي "الموطأ"، عن رسول الله ﷺ " يستجاب لأحدكم ما لم يعجّل يقول : دعوت فلم يُستجب لي " فقصر قولهم في تلك الحالة الَّتي يندر فيها صدور مثل هذا القول، على قولهم :﴿ ربنا اغفر لنا ﴾ إلى آخره، فصيغة القصر في قوله :﴿ وما كان قولهم إلا أن قالوا ﴾ قصر إضافي لردّ اعتقاد من قد يتوهمّ أنَّهم قالوا أقوالاً تنبىء عن الجزع، أو الهلع، أو الشكّ في النَّصر، أو الاستسلام للكفار.