فائدة
قال ابن عطية :
قوله ﴿ ولقد كنتم تمنون الموت ﴾ والسبب في ذلك أن رسول الله ﷺ خرج في غزوة بدر يريد عير قريش مبادراً فلم يوعب الناس معه، إذ كان الظن أنه لا يلقى حرباً، فلما قضى الله ببدر ما قضى وفاز حاضروها بالمنزلة الرفيعة، كان المتخلفون من المؤمنين عنها يتمنون حضور قتال الكفار مع النبي ﷺ ليكون منهم في ذلك غناء يلحقهم عند ربهم ونبيهم بمنزلة أهل بدر، ولأنس بن النضر في ذلك كلام محفوظ، فلما جاء أمر أحد -وحضر القتال لم يصدق كل المؤمنين، فعاتبهم الله بهذه الآية وألزمهم تعالى تمني الموت من حيث تمنوا لقاء الرجال بالحديد ومضاربتهم به، وهي حال في ضمنها في الأغلب الموت، ولا يتمناها إلا من طابت نفسه بالموت، فصار الموت كأنه المتمنى، وإلا فنفس قتل المشرك للمسلم لا يجوز أن يتمنى من حيث هو قتل، وإنما تتمنى لواحقه من الشهادة والتنعيم. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ١ صـ ٥١٥﴾
قال الثعالبى :
وفي كلام * ع * (١) : بعضُ إجمالٍ، وقد ترجم البخاريُّ تَمَنِّيَ الشهادةِ، ثم أسند عن أبي هريرة، قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ :" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلاَ أَنَّ رِجَالاً مِنَ المُؤْمِنِينَ لاَ تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ ؛ أنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَلاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوَدِدتُّ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أَحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أَحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أَحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ " وخرَّجه أيضًا مسلمٌ، وخرَّج البخاريُّ ومسلمٌ مِنْ حديث أنسٍ، عنِ النبيِّ ﷺ قَالَ :" مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ، لَهُ عِنْدَ اللَّهِ ( عَزَّ وجَلَّ ) خَيْرٌ، يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الدُّنْيَا، وأَنَّ الدُّنْيَا لَهُ وَمَا فِيهَا، إلاَّ الشَّهِيدَ، لِمَا يرى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، فَإنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الدُّنْيَا، فَيُقْتَلُ عَشْرَ مَرَّاتٍ ؛ لِمَا يرى مِنَ الكَرَامَةِ " اه.
فقد تبيَّن لك تمنِّي القَتْلِ في سبيل اللَّه بهذه النُّصُوصِ ؛ لما فيه من الكرامة.
وصَوَابُ كلام * ع * : أنْ يقول : وإِنما يتمنَّى القتلُ ؛ للواحقه ؛ من الشَّهادةِ والتنْعِيمِ. أ هـ ﴿الجواهر الحسان حـ ١ صـ ٣١٦﴾