فصل
قال الفخر :
اختلفوا في أن هذا الوعد هل هو مختص بيوم أحد، أو هو عام في جميع الأوقات ؟
قال كثير من المفسرين : إنه مختص بهذا اليوم، وذلك لأن جميع الآيات المتقدمة إنما وردت في هذه الواقعة، ثم القائلون بهذا القول ذكروا في كيفية إلقاء الرعب في قلوب المشركين في هذا اليوم وجهين :
الأول : أن الكفار لما استولوا على المسلمين وهزموهم أوقع الله الرعب في قلوبهم، فتركوهم وفروا منهم من غير سبب، حتى روي أن أبا سفيان صعد الجبل، وقال : أين ابن أبي كبشة، وأين ابن أبي قحافة، وأين ابن الخطاب، فأجابه عمر، ودارت بينهما كلمات، وما تجاسر أبو سفيان على النزول من الجبل والذهاب إليهم،
والثاني : أن الكفار لما ذهبوا إلى مكة، فلما كانوا في بعض الطريق قالوا : ما صنعنا شيئاً، قتلنا الأكثرين منهم، ثم تركناهم ونحن قاهرون، ارجعوا حتى نستأصلهم بالكلية، فلما عزموا على ذلك ألقى الله الرعب في قلوبهم.
والقول الثاني : أن هذا الوعد غير مختص بيوم أحد، بل هو عام.
قال القفال رحمه الله : كأنه قيل إنه وإن وقعت لكم هذه الواقعة في يوم أحد إلا أن الله تعالى سيلقي الرعب منكم بعد ذلك في قلوب الكافرين حتى يقهر الكفار، ويظهر دينكم على سائر الأديان.
وقد فعل الله ذلك حتى صار دين الإسلام قاهراً لجميع الأديان والملل، ونظير هذه الآية قوله عليه السلام " نصرت بالرعب مسيرة شهر ". أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٢٧﴾
لطيفة
قال القرطبى :
والإلقاء يستعمل حقيقة في الأجسام ؛ قال الله تعالى :﴿ وَأَلْقَى الألواح ﴾ [ الأعراف : ١٥٠ ] ﴿ فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ ﴾ [ الشعراء : ٤٤ ] ﴿ فألقى موسى عَصَاهُ ﴾ [ الشعراء : ٤٥ ].
قال الشاعر :
فألقَتْ عصاها واستقر بها النَّوَى...
ثم قد يستعمل مجازاً كما في هذه الآية، وقوله :﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾.
وألقى عليك مسألة. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٤ صـ ٢٣٢ ـ ٢٣٣﴾