كادت تُهَدُّ مِنَ الأَصْواتِ رَاحلتي... إذ سالتِ الأرضُ بالجُرْدِ الأَبابيلِ
ترْدِي بِأُسْدٍ كِرامٍ لا تنابلةٍ... عندَ اللقاءِ لا ميلٍ معازيلِ
فَظلْتُ عَدْواً أَظُنُّ الأَرْضَ مائلة... لمّا سَمَوْا برئيسٍ غَيْرِ مَخْذُولِ
إلى آخر الشعر، فوقع الرعب في قلوب الكفار، وقال صفوان بن أمية : لا ترجعوا فإني أرى أنه سيكون للقوم قتال غير الذي كان، فنزلت هذه الآية في هذا الإلقاء، وهي بعد متناولة كل كافر، ويجري معها قول النبي عليه السلام : نصرت بالرعب مسيرة شهر، ويظهر أن هذه الفضيلة إنما أعلم عليه السلام بها بعد هذه الأحوال كلها حين امتد ظل الإسلام، قال بعض أهل العلم : إنه لما أمر الله المؤمن بالصبر، ووعده النصر، وأخبره أن الرعب ملقى في قلوب الكفار، نقص الرعب من كل كافر جزءاً مع زيادة شجاعة المؤمن، إذ قد وعد النصر فلذلك كلف المؤمن الوقوف للكافرين. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ١ صـ ٥٢٣﴾
وقال الفخر :
قد ذكرنا في قصة أحد أن النبي ﷺ جعل أحدا خلف ظهره واستقبل المدينة وأقام الرماة عند الجبل، وأمرهم أن يثبتوا هناك ولا يبرحوا، سواء كانت النصرة للمسلمين أو عليهم، فلما أقبل المشركون جعل الرماة يرشقون نبلهم والباقون يضربونهم بالسيوف حتى انهزموا، والمسلمون على آثارهم يحسونهم، قال الليث : الحس : القتل الذريع، تحسونهم : أي تقتلونهم قتلا كثيرا،
قال أبو عبيد، والزجاج، وابن قتيبة : الحس : الاستئصال بالقتل، يقال : جراد محسوس.
إذا قتله البرد.
وسنة حسوس : إذا أتت على كل شيء، ومعنى "تحسونهم" أي تستأصلونهم قتلا، قال أصحاب الاشتقاق :"حسه" إذا قتله لأنه أبطل حسه بالقتل، كما يقال : بطنه إذا أصاب بطنه، ورأسه، إذا أصاب رأسه، وقوله :﴿بِإِذْنِهِ﴾ أي بعلمه، ومعنى الكلام أنه تعالى لما وعدكم النصر بشرط التقوى والصبر على الطاعة فما دمتم وافين بهذا الشرط أنجز وعده ونصركم على أعدائكم، فلما تركتم الشرط وعصيتم أمر ربكم لا جرم زالت تلك النصرة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٢٩﴾