الوجه الثالث في الجواب : أن يقال تقدير الآية : حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعدما أراكم ما تحبون، صرتم فريقين، منكم من يريد الدنيا، ومنكم من يريد الآخرة.
فالجواب : هو قوله : صرتم فريقين، إلا أنه أسقط لأن قوله :﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الاخرة﴾ يفيد فائدته ويؤدي معناه، لأن كلمة "من" للتبعيض فهي تفيد هذا الانقسام، وهذا احتمال خطر ببالي.
الوجه الرابع : قال أبو مسلم : جواب قوله :﴿حتى إِذَا فَشِلْتُمْ﴾ هو قوله :﴿صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ﴾ والتقدير حتى إذا فشلتم وكذا وكذا صرفكم عنهم ليبتليكم وكلمة "ثم" ههنا كالساقطة وهذا الوجه في غاية البعد. والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٢٩ ـ ٣٠﴾
فصل
قال الفخر :
إنه تعالى ذكر أمورا ثلاثة :
أولها : الفشل وهو الضعف، وقيل الفشل هو الجبن، وهذا باطل بدليل قوله تعالى :﴿وَلاَ تنازعوا فَتَفْشَلُواْ﴾ [ الأنفال : ٤٦ ] أي فتضعفوا، لأنه لا يليق به أن يكون المعنى فتجبنوا.
ثانيها : التنازع في الأمر وفيه بحثان.
البحث الأول : المراد من التنازع أنه عليه الصلاة والسلام أمر الرماة بأن لا يبرحوا عن مكانهم ألبتة، وجعل أميرهم عبدالله بن جبير ؛ فلما ظهر المشركون أقبل الرماة عليهم بالرمي الكثير حتى انهزم المشركون، ثم إن الرماة رأوا نساء المشركين صعدن الجبل وكشفن عن سوقهن بحيث بدت خلاخيلهن، فقالوا الغنيمة الغنيمة، فقال عبدالله : عهد الرسول إلينا أن لا نبرح عن هذا المكان فأبوا عليه وذهبوا إلى طلب الغنيمة، وبقي عبدالله مع طائفة قليلة دون العشرة إلى أن قتلهم المشركون فهذا هو التنازع.
البحث الثاني : قوله :﴿فِى الأمر﴾ فيه وجهان :
الأول : أن الأمر ههنا بمعنى الشأن والقصة، أي تنازعتم فيما كنتم فيه من الشأن.