فإن قيل : فعلى هذا التأويل هؤلاء الذين صرفهم الله عن الكفار ما كانوا مذنبين، فلم قال :﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ ﴾.
قلنا : الآية مشتملة على ذكر من كان معذورا في الانصراف ومن لم يكن، وهم الذين بدؤا بالهزيمة فمضوا وعصوا فقوله :﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ﴾ راجع إلى المعذورين، لأن الآية لما اشتملت على قسمين وعلى حكمين رجع كل حكم إلى القسم الذي يليق به، ونظيره قوله تعالى :﴿ثَانِيَ اثنين إِذْ هُمَا فِى الغار إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ [ التوبة : ٤٠ ] والمراد الذي قال له :﴿لاَ تَحْزَنْ﴾ وهو أبو بكر، لأنه كان خائفاً قبل هذا القول، فلما سمع هذا سكن، ثم قال :﴿وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا﴾ [ التوبة : ٤٠ ] وعنى بذلك الرسول دون أبي بكر، لأنه كان قد جرى ذكرهما جميعا، فهذا جملة ما ذكره الجبائي في هذا المقام.
والوجه الثاني : ما ذكره أبو مسلم الأصفهاني، وهو أن المراد من قوله :﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ﴾ أنه تعالى أزال ما كان في قلوب الكفار من الرعب من المسلمين عقوبة منه على عصيانهم وفشلهم، ثم قال :﴿لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ أي ليجعل ذلك الصرف محنة عليكم لتتوبوا إلى الله وترجعوا اليه وتستغفروه فيما خالفتم فيه أمره وملتم فيه إلى الغنيمة، ثم أعلمهم أنه تعالى قد عفا عنهم.
والوجه الثالث : قال الكعبي :﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ﴾ بأن لم يأمركم بمعاودتهم من فورهم ﴿لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ بكثرة الانعام عليكم والتخفيف عنكم، فهذا ما قيل في هذا الموضع، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٣١ ـ ٣٢﴾
قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ﴾

فصل


قال الفخر :
ظاهره يقتضي تقدم ذنب منهم.


الصفحة التالية
Icon