واعلم أن الأمنة والنعاس كل واحد منهما يدل على الآخر، فلا جرم يحسن رد الكناية إلى أيهما شئت، كقوله تعالى :﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم * طَعَامُ الأثيم * كالمهل يَغْلِى فِى البطون﴾ [ الدخان : ٤٣ ٤٥ ] وتغلي، إذا عرفت جوازهما فنقول : مما يقوي القراءة بالتاء أن الأصل الأمنة، والنعاس بدل، ورد الكناية إلى الأصل أحسن، وأيضاً الأمنة هي المقصود، وإذا حصلت الأمنة حصل النعاس لأنها سببه، فإن الخائف لا يكاد ينعس، وأما من قرأ بالياء فحجته أن النعاس هو الغاشي، فإن العرب يقولون غشينا النعاس، وقلما يقولون غشيني من النعاس أمنة، وأيضاً فإن النعاس مذكور بالغشيان في قوله :﴿إِذْ يُغَشّيكُمُ النعاس أَمَنَةً مّنْهُ﴾ [ الأنفال : ١١ ] وأيضاً : النعاس يلي الفعل، وهو أقرب في اللفظ إلى ذكر الغشيان من الأمنة فالتذكير أولى. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٣٧ ـ ٣٨﴾
فائدة
قال الطبرى :
والصواب من القول في ذلك عندي، أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قرأة الأمصار، غير مختلفتين في معنى ولا غيره. لأن"الأمنة" في هذا الموضع هي النعاس، والنعاس هو الأمنة. فسواء ذلك، وبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيبٌ الحقَّ في قراءته. (١)
وكذلك جميع ما في القرآن من نظائره من نحو قوله :( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأثِيمِ كَالْمُهْلِ تَغْلِي فِي الْبُطُونِ ) [سورة الدخان : ٤٣-٤٥] و( أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ تُمْنَى ) [سورة القيامة : ٣٧]، ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ ) [سورة مريم : ٢٥]. أ هـ ﴿تفسير الطبرى حـ ٧ صـ ٣١٦﴾

___
(١) هذا أصل عظيم فكل قراءة متواترة لا يجوز تضعيفها وليته التزم بهذا الأصل الذى أشار إليه، فكثيرا ما يرجح بين القراءات المتواترة. والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon