وثانياً في تضييع المركز، وثالثاً في إعراضهم عن الإثخان في العدو بعد الهزيمة الذي ما شرع القتال إلا لأجله بإقبالهم عن النهب، ورابعاً في وهنهم عند كر العدو إلى غير ذلك - موجباً لترك مشاورتهم، فيفوت ما فيها من المنافع في نفسها وفيما تثمره من التألف والتسنن وغير ذلك فقال سبحانه وتعالى :﴿فاعف عنهم﴾ أي ما فرطوا في هذه الكره في حقك ﴿واستغفر لهم﴾ أي الله سبحانه وتعالى لما فرطوا في حقه ﴿وشاورهم﴾ أي استخرج آراءهم ﴿في الأمر﴾ أي الذي تريده من أمور الحرب تألفاً لهم وتطييباً لنفوسهم ليستن بك من بعدك ﴿فإذا عزمت﴾ أي بعد ذلك على أمر فمضيت فيه، وقراءة من ضم التاء للمتكلم بمعناها، أي فإذا فعلت أنت أمراً بعد المشاورة لأني فعلت فيه - بأن أردته - فعل العازم.
ولما أمر بالمشاورة التي هي النظر في الأسباب أمر بالاعتصام بمسببها من غير التفات إليها ليكمل جهاد الإنسان بالملابسة ثم التجرد فقال :﴿فتوكل﴾ أي فيه ﴿على الله﴾ أي الذي له الأمر كله، ولا يردك عنه خوف عاقبة - كما فعلت بتوفيق الله في هذه الغزوة، ثم علل ذلك بقوله :﴿إن الله﴾ أي الذي لا كفوء له ﴿يحب المتوكلين﴾ أي فلا يفعل بهم إلا ما فيه إكرامهم وإن رُئي غير ذلك. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ١٧٣ ـ ١٧٤﴾
وقال الفخر :
اعلم أن القوم لما انهزموا عن النبي ﷺ يوم أحد ثم عادوا لم يخاطبهم الرسول ﷺ بالتغليط والتشديد، وإنما خاطبهم بالكلام اللين، ثم إنه سبحانه وتعالى لما أرشدهم في الآيات المتقدمة إلى ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم، وكان من جملة ذلك أن عفا عنهم، زاد في الفضل والاحسان بأن مدح الرسول ﷺ على عفوه عنهم، وتركه التغليظ عليهم فقال :﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ الله لِنتَ لَهُمْ﴾ ومن أنصف علم أن هذا ترتيب حسن في الكلام. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٥٠﴾


الصفحة التالية
Icon