وقال الفخر :
ذهب الأكثرون إلى أن ( ما ) في قوله :﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ الله﴾ صلة زائدة ومثله في القرآن كثير، كقوله :﴿عَمَّا قَلِيلٍ﴾ و﴿جُندٌ مَّا هُنَالِكَ﴾ [ ص : ١١ ] ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم﴾ [ النساء : ١٥٥، المائدة : ١٣ ] ﴿مما خطيئاتهم﴾ [ نوح : ٢٥ ] قالوا : والعرب قد تزيد في الكلام للتأكيد على ما يستغنى عنه، قال تعالى :﴿فَلَمَّا أَن جَاء البشير﴾ [ يوسف : ٩٦ ] أراد فلما جاء، فأكد بأن، وقال المحققون : دخول اللفظ المهمل الضائع في كلام أحكم الحاكمين غير جائر، وههنا يجوز أن تكون ( ما ) استفهاما للتعجب تقديره : فبأي رحمة من الله لنت لهم، وذلك لأن جنايتهم لما كانت عظيمة ثم إنه ما أظهر ألبتة، تغليظا في القول، ولا خشونة في الكلام، علموا أن هذا لا يتأتى إلا بتأييد رباني وتسديد إلهي، فكان ذلك موضع التعجب من كمال ذلك التأييد والتسديد، فقيل : فبأي رحمة من الله لنت لهم، وهذا هو الأصوب عندي. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٥١﴾
وعقب أبو حيان على كلام الفخر قائلا :
وما ذهب إليه خطأ من وجهين : أحدهما : أنه لا تضاف ما الاستفهامية، ولا أسماء الاستفهام غير أي بلا خلاف، وكم على مذهب أبي إسحاق.
والثاني : إذا لم تصح الإضافة فيكون إعرابه بدلاً، وإذا كان بدلاً من اسم الاستفهام فلا بدّ من إعادة همزة الاستفهام في البدل، وهذا الرجل لحظ المعنى ولم يلتفت إلى ما تقرر في علم النحو من أحكام الألفاظ، وكان يغنيه عن هذا الارتباك والتسلق إلى ما لا يحسنه والتسور عليه.
قول الزجاج في ما هذه ؟ إنها صلة فيها معنى التوكيد بإجماع النحويين. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٣ صـ ١٠٤﴾
وقال القرطبى :
وقيل :"ما" اسْتِفْهَامٌ.
والمعنى : فَبِأي رَحْمَةٍ مِنَ الله لِنْتَ لَهُم ؛ فهو تعجب.