وتعرض ممّن دونه.
النوري : هو أن يفني تدبيرك في تدبيره،
وترضى بالله وكيلا ومدبراً،
قال الله عزّ وجلّ :﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وكيلا﴾ وقيل : هو اكتفاء العبد الذليل بالربّ الجليل،
كاكتفاء الخليل بالخليل حين لم ينظر إلى عناية جبرئيل.
وقيل : هو السكون عن الحركات اعتماداً على خالق الأرض والسماوات.
وقيل لبهلول المجنون : متى يكون العبد متوكلاً ؟
قال : إذا كان النفس غريباً بين الخلق،
والقلب قريباً إلى الحق.
وعن محمد بن عمران قال : قيل لحاتم الأصم : على ما بنيت أمرك هذا من التوكل ؟
قال : أربع خلال : علمت أن رزقي ليس يأكله غيري فلست أُشغل به،
وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به،
وعلمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا أُبادره،
وعلمت أني بعين الله في كل حال فأنا مستحي منه.
وعن أبي موسى (الوبيلي) قال : سألت عبد الرحمن بن يحيى عن التوكل فقال لي : لو أدخلت يدك في فم التنين حتى تبلغ الرسغ، لم تخف مع الله شيئاً.
قال أبو موسى :(ذهبت) إلى أبي يزيد البسطامي : أسأله عن التوكل،
فدخلت بسطام ودفعت عليه الباب فقال لي : يا أبا موسى ما كان لك في جواب عبد الرحمن من القناعة حتى تجيء وتسألني ؟
فقلت : افتح الباب،
فقال : لو زرتني لفتحت لك الباب،
(وإذا) جاء الجواب من الباب فانصرف : لو أن الحيّة المطوقة بالعرش همّت بك لم تخف مع الله شيئاً.
قال أبو موسى : فانصرفت حتى جئت إلى دبيل فأقمت بها سنة،
ثم أعتقدت الزيارة فخرجت إلى أبي يزيد فقال : زرتني مرحباً بالزائرين لاأخرجك،
قال : فأقمت عنده شهراً لا يقع لي شيء إلاّ أخبرني قبل أن أسأله فقلت له : يا أبا يزيد أخرج وأريد فائدة منك أخرج بها من عندك.
قال لي : اعلم أن فائدة المخلوقين ليست بفائدة،
حدثتني أُمّي أنها كانت حاملة بي وكانت إذا قدمت لها القصعة من حلال امتدت يدها وأكلت،
وإذا قدمت من حرام جفت فلم تأكل،
اجعلها فائدة وانصرف. فجعلتها فائدة وانصرفت.
وكان عمر (رضي الله عنه) يتمثل بهذين البيتين :
هوّن عليك فإن الأمور
بأمر الإله مقاديرها
نفس ليأتيك مصروفها
ولا عادك عنك مقدورها. أ هـ ﴿الكشف والبيان حـ ٣ صـ ١٩٢ ـ ١٩٥﴾. بتصرف يسير