فَاخْتِيَارُهُ فِي أَعْمَالِهِ وَقُدْرَتُهُ عَلَيْهَا وَمَعْرِفَتُهُ الْأَسْبَابَ وَقِيَامُهُ بِهَا كُلُّ ذَلِكَ لَهُ حُدُودٌ لَا يَتَجَاوَزُهَا، فَهُوَ لَا يُحِيطُ عِلْمًا بِأَسْبَابِ الْمَوْتِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى اجْتِنَابِ كُلِّ مَا يَعْمَلُ مِنْ أَسْبَابِهِ، وَمَا كُلُّ سَبَبٍ يَتَعَرَّضُ لَهُ يَقَعُ، فَجَمِيعُ الَّذِينَ يَصْطَلُونَ بِنَارِ الْحَرْبِ يُعَرِّضُونَ أَنْفُسَهُمْ لِلْقَتْلِ، وَقَدْ يَسْلَمُ أَكْثَرُهُمْ وَيُقْتَلُ أَقَلُّهُمْ. أَقُولُ : وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَمْرَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّيْءَ مَتَى وَقَعَ يُعْلَمُ بَعْدَ وُقُوعِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بُدٌّ. وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ يُؤْمِنُ بِأَنَّ لِلَّهِ - تَعَالَى - عِنَايَةً بِهِ وَقَدْ يُلْهِمُهُ - إِذَا هُوَ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ - عِلْمَ مَا يَجْهَلُ مِنْ أَسْبَابِ سَعَادَتِهِ وَيُوَفِّقُهُ إِلَى مَا يَعْجِزُ عَنْهُ مِنَ الْأَسْبَابِ بِمَحْضِ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، فَإِنَّهُ بِهَذَا الْإِيمَانِ يَكُونُ مَعَ أَخْذِهِ بِالْأَسْبَابِ أَنْشَطَ فِي الْعَمَلِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْهَا بَعْدَ الْيَأْسِ وَالْكَسَلِ.