اعلم أن المنافقين كانوا يعيرون المؤمنين في الجهاد مع الكفار بقولهم : لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، ثم إنه لما ظهر عن بعض المؤمنين فتور وفشل في الجهاد حتى وقع يوم أحد ما وقع وعفا الله بفضله عنهم، ذكر في هذه الآية ما يدل على النهي عن أن يقول أحد من المؤمنين مثل مقالتهم فقال : يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا لمن يريد الخروج إلى الجهاد : لو لم تخرجوا لما متم وما قتلتم فإن الله هو المحيي والمميت، فمن قدر له البقاء لم يقتل في الجهاد، ومن قدر له الموت لم يبق وإن لم يجاهد، وهو المراد من قوله :﴿والله يُحْيىِ وَيُمِيتُ﴾ وأيضا الذي قتل في الجهاد، لو أنه ما خرج إلى الجهاد لكان يموت لا محالة، فإذا كان لا بد من الموت فلأن يقتل في الجهاد حتى يستوجب الثواب العظيم، كان ذلك خيرا له من أن يموت من غير فائدة، وهو المراد من قوله :﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِى سَبِيلِ الله أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مّنَ الله وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ فهذا هو المقصود من الكلام. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٤٤﴾
فصل
قال الفخر :
اختلفوا في المراد بقوله :﴿كالذين كَفَرُواْ﴾ فقال بعضهم : هو على إطلاقه، فيدخل فيه كل كافر يقول مثل هذا القول سواء كان منافقا أو لم يكن، وقال آخرون : إنه مخصوص بالمنافقين لأن هذه الآيات من أولها إلى آخرها مختصة بشرح أحوالهم، وقال آخرون : هذا مختص بعبدالله بن أبي بن سلول، ومعتب بن قشير، وسائر أصحابه، وعلى هذين القولين فالآية تدل على أن الإيمان ليس عبارة عن الإقرار باللسان، كما تقول الكرامية إذ لو كان كذلك لكان المنافق مؤمناً، ولو كان مؤمناً لما سماه الله كافراً. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٤٤﴾