الأول : أن أقارب ذلك المقتول إذا سمعوا هذا الكلام ازدادت الحسرة في قلوبهم، لأن أحدهم يعتقد أنه لو بالغ في منعه عن ذلك السفر وعن ذلك الغزو لبقي، فذلك الشخص إنما مات أو قتل بسبب أن هذا الإنسان قصر في منعه، فيعتقد السامع لهذا الكلام أنه هو الذي تسبب إلى موت ذلك الشخص العزيز عليه أو قتله، ومتى اعتقد في نفسه ذلك فلا شك أنه تزداد حسرته وتلهفه، أما المسلم المعتقد في أن الحياة والموت لا يكون إلا بتقدير الله وقضائه، لم يحصل ألبتة في قلبه شيء من هذا النوع من الحسرة، فثبت أن تلك الشبهة التي ذكرها المنافقون لا تفيدهم إلا زيادة الحسرة.
الوجه الثاني : أن المنافقين إذا ألقوا هذه الشبهة إلى إخوانهم تثبطوا عن الغزو والجهاد وتخلفوا عنه، فإذا اشتغل المسلمون بالجهاد والغزو، ووصلوا بسببه إلى الغنائم العظيمة والاستيلاء على الاعداء.
والفوز بالأماني، بقي ذلك المتخلف عند ذلك في الخيبة والحسرة.
الوجه الثالث : أن هذه الحسرة إنما تحصل يوم القيامة في قلوب المنافقين إذا رأوا تخصيص الله المجاهدين بمزيد الكرامات واعلاء الدرجات، وتخصيص هؤلاء المنافقين بمزيد الخزي واللعن والعقاب.
الوجه الرابع : أن المنافقين إذا أوردوا هذه الشبهة على ضعفة المسلمين ووجدوا منهم قبولا لها، فرحوا بذلك، من حيث إنه راج كيدهم ومكرهم على أولئك الضعفة، فالله تعالى يقول : إنه سيصير ذلك حسرة في قلوبهم إذا علموا أنهم كانوا على الباطل في تقرير هذه الشبهة.
الوجه الخامس : أن جدهم واجتهادهم في تكثير الشبهات وإلقاء الضلالات يعمي قلوبهم فيقعون عند ذلك في الحيرة والخيبة وضيق الصدر، وهو المراد بالحسرة، كقوله :﴿وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً حَرَجاً﴾ [ الأنعام : ١٢٥ ].


الصفحة التالية
Icon