فكان هذا المجاز أبلغ من الحقيقة والحكماء يقولون : إن النفوس الإنسانية مختلفة بالماهية والحقيقة، فبعضها ذكية وبعضها بليدة، وبعضها مشرقة نورانية، وبعضها كدرة ظلمانية، وبعضها خيرة وبعضها نذلة، واختلاف هذه الصفات ليس لاختلاف الامزجة البدنية، بل لاختلاف ماهيات النفوس، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام :" الناس معادن كمعادن الذهب والفضة " وقال :" الأرواح جنود مجندة " واذا كان كذلك ثبت أن الناس في أنفسهم درجات، لا أن لهم درجات. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٦١ ـ ٦٢﴾
وقال القرطبى :
قيل :"هُمْ دَرَجَاتٌ" مُتفاوِتةٌ، أي هم مُختلفُوا المنازِل عند الله ؛ فَلِمن اتّبع رضوانه الكَرامةُ والثّوابُ العظيمُ، ولِمن بَاءَ بِسَخَطٍ منه المَهانةُ والعذابُ الأليمُ.
ومعنى "هُمْ دَرَجَاتٌ".
أي ذَوُو دَرَجاتٍ.
أو على دَرَجات، أو في دَرجاتٍ، أو لهم دَرَجاتٌ.
وأهل النار أيضاً ذوو دَرَجات ؛ كما قال :" وجدته في غَمَرات من النار فأخرجته إلى ضَحْضَاح " فالمؤمن والكافر لا يستويان في الدّرجة ؛ ثم المؤمنون يختلفون أيضاً، فبعضهم أرفع درجة من بعض، وكذلك الكفار.
والدّرجةُ الرّتبةُ، ومنه الدَّرَج : لأنه يُطوَى رُتْبةً بعد رُتْبةٍ.
والأشهر في منازل جهنم دَرَكات ؛ كما قال :﴿ إِنَّ المنافقين فِي الدرك الأسفل مِنَ النار ﴾ [ النساء : ١٤٥ ] فلمن لم يَغُلّ درجات في الجنة، ولمن غَلّ دَركاتٌ في النار.
قال أبو عبيدة : جهنَّمُ أَدْرَاكٌ، أي منازل ؛ يُقال لكل منزل منها : دَرَك ودَرْك.
والدّرَكُ إلى أسفل، والدّرجُ إلى أعلى. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٤ صـ ٢٦٣﴾

فصل


قال الفخر :


الصفحة التالية
Icon