وقوله :﴿ وَقَعَدُواْ ﴾ أي قالوا هذا القول وقعدوا بأنفسهم عن الجهاد ؛ فردّ الله عليهم بقوله :﴿ قُلْ فَادْرَءُوا ﴾ أي قل لهم يا محمد : إن صدقتم فادفعوا الموت عن أنفسكم.
والدَّرْء الدفعُ.
بيّن بهذا أن الحَذَر لا ينفع من القَدَر، وأن المقتولَ يقتل بأجله، وما عَلِم الله وأخبر به كائنٌ لا محالَة.
وقيل : مات يومَ قيل هذا، سبعون منافقاً.
وقال أبو الليث السَّمْرَقَنْدِيّ : سمعت بعض المفسّرين بسَمْرَقَنْد يقول : لما نزلت الآية ﴿ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ ﴾ مات يومئذ سبعون نفساً من المنافقين. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٤ صـ ٢٦٧﴾
وقال البيضاوى :
﴿ قُلْ فَادْرَءوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صادقين ﴾ أي إن كنتم صادقين إنكم تقدرون على دفع القتل عمن كتب عليه فادفعوا عن أنفسكم الموت وأسبابه، فإنه أحرى بكم، والمعنى أن القعود غير مغن عن الموت، فإن أسباب الموت كثيرة كما أن القتال يكون سبباً للهلاك والقعود سبباً للنجاة قد يكون الأمر بالعكس. أ هـ ﴿تفسير البيضاوى حـ ٢ صـ ١١٣﴾
" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
جوَّزوا في موضع " الذين " الألقاب الثلاثة : الرفع والنصب والجر، فالرفعُ من ثلاثةِ أوجهٍ :
أحدهما : أن يكون مرفوعاً على خبر مبتدأ محذوفٍ، تقديره : هم الذين.
ثانيها : أنه بدل من واو " يكتمون ".
ثالثها : أنه مبتدأ، والخبر قوله :" قل فادْرءوا " ولا بُدَّ من حذف عائدٍ، تقديره : قُلْ لَهُمْ.
والنصبُ من ثلاثة أوجه - أيضاً - :
أحدها : النصبُ على الذَّم، أي : أذم الذين قالوا.
ثانيها : أنه بدل من " الذين نافقوا ".
ثالثها : أنه صفة.
والجر من وجهينِ : البدل من الضمير في " بأفواهم " أو من الضمير في " قلوبهم " كقول الفرزدق :[ الطويل ]


الصفحة التالية