الْآيَةَ ".
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : الصَّوَابُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتٍ هَذِهِ الْوَقْعَةِ كَالْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا وَكَثِيرٍ مِمَّا يَأْتِي بَعْدَهَا.
وَأَصْلُ الْغُلِّ : الْأَخْذُ بِخُفْيَةٍ كَالسَّرِقَةِ، وَغَلَبَ فِي السَّرِقَةِ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَتُسَمَّى غُلُولًا. قَالَ الرُّمَّانِيُّ وَغَيْرُهُ : أَصْلُ الْغُلُولِ مِنَ الْغَلَلِ وَهُوَ دُخُولُ الْمَاءِ فِي خَلَلِ الشَّجَرِ، وَسُمِّيَتِ الْخِيَانَةُ غُلُولًا لِأَنَّهَا تَجْرِي فِي الْمُلْكِ عَلَى خَفَاءٍ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي يَحِلُّ، وَمِنْ ذَلِكَ
الْغِلُّ : لِلْحِقْدِ، وَالْغَلِيلُ : لِحَرَارَةِ الْعَطَشِ، وَالْغِلَالَةُ : لِلشِّعَارِ. أَقُولُ : وَتَغَلْغَلَ فِي الشَّيْءِ دَخَلَ فِيهِ وَاخْتَفَى فِي بَاطِنِهِ. وَالْمَعْنَى : مَا كَانَ مِنْ شَأْنِ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا مِنْ سِيرَتِهِ أَنْ يَغُلَّ ; لِأَنَّ اللهَ قَدْ عَصَمَ أَنْبِيَاءَهُ مِنَ الْغِلِّ وَالْغُلُولِ فَهُوَ لَا يَقَعُ مِنْهُمْ. وَهَذَا التَّعْبِيرُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمْ : مَا صَحَّ وَلَا اسْتَقَامَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ; أَيْ يَخُونَ فِي الْمَغْنَمِ - وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَا يُفِيدُهُ هَذَا التَّعْبِيرُ مِنْ نَفْيِ الشَّأْنِ الَّذِي هُوَ أَبْلَغُ مِنْ نَفْيِ الْفِعْلِ - لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ دَعْوَى بِدَلِيلٍ، كَأَنَّهُ يَقُولُ هُنَا : إِنَّ النَّبِيَّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا مِمَّا يَقَعُ مِنْهُمْ أَوْ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ :" أَنْ يُغَلَّ " بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ مِنْ أَغْلَلْتُهُ بِمَعْنَى وَجَدْتُهُ